متى يقوم المأموم

متى يقوم المأموم

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  أما بعد:

فكثيراً ما يتساءل الناس متى يقوم المأموم للصلاة: هل عند إقامة الصلاة أم عند دخول الإمام؟

والجواب: بما أن هذه المسألة كثيرة التكرار، فلا بد من الكلام عنها بما يخرجنا من الغموض إلى الوضوح، ومن الشك إلى اليقين، حتى يظهر الراجح، وكلام أهل العلم في المسألة، من ذلك: ما جاء عن ابن المبارك عن أبي يَعْلى قال: رأيت أنسَ بن مالك – رضي الله عنه – إذا قيل قد قامت الصلاة قام فوثب، وعن الحسن وابن سيرين – رحمهما الله – أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن قد قامت الصلاة، وقال: فرقد السَبَخيّ – رحمه الله – للحسن: أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول: قد قامت الصلاة؟ فقال الحسن: أي ذلك شئت، وروى كلثوم بن زياد – رحمه الله – عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن “الله أكبر” وجب القيام، فإذا قال: “حي على الصلاة” اعتدلت الصفوف، فإذا قال: “لا إله إلا الله” كبر الإمام، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام، وهو قول الشافعي وداود، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كان الإمام معهم في المسجد فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، وقال الشافعي وأصحابه وداود: البدار في القيام إلى الصلاة أولى إذا أخذ المؤذن في الإقامة لأنه بدار إلى فعل بر، وليس في شيء من ذلك شيء محدود عندهم، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الإمام أيكبر إذا قال المؤذن “حي على الصلاة، قد قامت الصلاة” أو حين يفرغ من الإقامة؟ فقال: حديث أبي قتادة: لا تقوموا حتى تروني قال ابن عبد البر: وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد، وقال: الحافظ ابن حجر معلقاً على ترجمة البخاري لحديث أبي قتادة السابق “باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ قيل: أورد الترجمة بلفظ الاستفهام؛ لأن قوله في الحديث: لا تقوموا نهي عن القيام، وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك، ثم ذكر بعض الآثار التي أوردها ابن عبد البر، ثم قال: “وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكر على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم، وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها، وتقدم إذنه في ذلك، قال القرطبي: “ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي  من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه -: “أن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج النبي ” أخرجه مسلم، ويجمع بينهما بأن بلالاً كان يراقب خروج النبي  فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم، ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب: “أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن: “الله أكبر” يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي  حتى تعتدل الصفوف”.

وأما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الآتي قريباً بلفظ: “أقيمت الصلاة، فسوى الناس صفوفهم” بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة، ولم يخرج النبي  فنهاهم عن ذلك؛ لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج، فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس – رضي الله عنه – الآتي: أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم؛ لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً، أو فعله لبيان الجواز”أهـ 1. وقد أجاب على هذه المسألة: الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – عند شرحه لقول المصنف: “يسن القيام عند قوله قد من إقامتها” قائلاً: أي يسن للمأموم أن يقوم إذا قال المقيم “قد”من “قد قامت الصلاة”؛ لأن “قد” تفيد التحقيق و”قامت” تفيد الواقع، وحينئذ يكون موضع القيام للصلاة عند قوله “قد” من “قد قامت الصلاة” وظاهر كلام المؤلف أنه يسن القيام عند هذه الجملة سواء رأى المأمومون الإمام أم لم يروه، وهذا أحد الأقوال في المذهب2، والمشهور من المذهب3 أنهم لايقومون عند إقامتها إلا إذا رأوا الإمام، فإن لم يروا انتظروا حتى يروا الإمام؛ لأنهم تابعون ولو قاموا في الصف قبل أن يروا الإمام لكانوا متبوعين؛ لان الإمام سيأتي بعدهم بعد أن يصفوا ويقوموا، والغالب أنها لاتقام عندنا في هذا البلد 4 حتى يدخل الإمام المسجد ويراه الناس، ثم يقيم المؤذن، وقيل: يقوم إذا رأى الإمام مطلقا .. وقيل: يقوم إذا شرع بالإقامة، وقيل: يقوم إذا قال “حي على الصلاة”، وقيل: يقوم إذا كبّر الإمام تكبيرة الإحرام، وقيل: الأمر في ذلك واسع5، والسنة لم ترد محدّدة لموضع القيام إلا أن النبي  قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني6 فإذا كانت السنة غير محددة القيام كان القيام عند أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها؛ كل ذلك جائز، المهم أن تكون متهيئاً للدخول في الصلاة قبل تكبير الإمام لئلا تفوتك تكبيرة الاحرم. أ.هـ7

نسأل الله أن يسعنا ما وسع سلفنا الصالح، وأن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، وعلى آله، وصحابته، والتابعين.

والحمد لله رب العالمين.


1 – فتح الباري ( ج2 ص120).

2 – الإنصاف(3/401).

3 – منتهى الإرادات(1/204) , الإنصاف (3/402).

4 – يقصد المملكة العربية السعودية بلد الشارح – رحمه الله -.

5 – المغنى(2/123) , المجموع (3/233).

6 – رواه البخاري برقم (604).

7 – الشرح الممتع على زاد المستنقع. (ج3.ص8).