تشييع الجنازة

تشييع الجنازة

 

الحمد لله رب العالمين، المنفرد بدوام البقاء بعد فناء الأيام، والصلاة والسلام على البشير النذير، وخير داعٍ إلى الصراط المستقيم، من أرسله ربه رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – شرع لنا تشييع الجنائز، وحث على ذلك، بل وجعلها من حقوق المسلم على المسلم، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – يعود المريض، ويتبع الجنازة، وأفعاله – صلى الله عليه وسلم – مع من مات من أصحابه شاهدة على ذلك.

وتشييع الجنازة والصلاة عليها من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وتكون سنة في حق الآخرين، لما روى البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي ونصر المظلوم1.

وأخبر – صلى الله عليه وسلم – بعظم الأجر المترتب على هذا العمل؛ فقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : (مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ)2. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ، أو أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ)3.

وعنه – رضي الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: (مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ)4.

أما الدليل على أنها من حقوق المسلم على أخيه المسلم، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ)5. وفي رواية في صحيح مسلم: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ)، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)6.

فهذه سنة ثابتة من فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وقوله، وهي من حقوق أخيك المسلم عليك، التي ينبغي أن لا يفرط فيها أو يتهاون بها.

ووجود ذلك بين أهل الحي يزيد من قوة الترابط والألفة والمحبة فيما بينهم، وهذا أمر مطلوب شرعاً، ومن دلائل صدق الأخوة بين المسلمين.

وأما دور أهل المسجد في ذلك فهو عظيم جداً، فمن خلالهم يمكن أن يعمم خبر من مات من أهل الحي بين الأفراد الذين يقطنون الحي، وذلك من خلال الإعلان في المسجد أن فلان بن فلان قد توفي وسيصلى عليه في مسجد كذا في ساعة كذا، ويشيع إلى المقبرة بعد الصلاة عليه، أو يعمم الخبر بأي طريقة توصل الخبر إلى أهل الحي.

والغرض من هذا التعميم حتى يتمكن أهل الحي من الصلاة على أخيهم وتشييعه، ويظفروا بالأجر؛ لأنه ولا سيما في هذا العصر قد اتسعت الأحياء وكثر السكان، وأصبح الكثير لا يعرف ما يدور حوله، فإذا بلغهم نعي أخيهم وعرفوا متى سيصلى عليه، والمكان الذي سيصلى عليه فيه، يكون بذلك قد بلغهم الخبر، ولا يكون لمتخلفهم عذر بعدم معرفة ذلك.

وهذا الحق ليس لأهل الحي فقط، فهو حق لكل أخ مسلم قريباً أو بعيداً، وليس فرضاً واجباً على الجميع، بل هو من فروض الكفايات التي إذا قام به البعض سقط على الباقي، فإذا وجد الجماعة الكافية في ذلك، كفى ويكون في حق الباقين سنة.

نسأل الله الستر والسلامة، ونسأله التوفيق والسداد، ونسأله أن يتوفانا وهو راض عنا، وصلى الله على نبيا محمد، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه البخاري رقم (1182)، ومسلم رقم (2066).

2 رواه البخاري رقم (1260)، ومسلم رقم (945).

3 رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (2712).

4 رواه مسلم، رقم الحديث (945).

5 رواه البخاري رقم (1183)، ومسلم رقم (2162).

6 رواه مسلم رقم (2162).