العقوبة سلباً وإيجاباً
الحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً،أما بعد:
فإن من جبلة النفوس حب الحصول على النفع والحافز والمكافأة… في حال النجاح في أمرٍ ما، وفي المقابل كراهة العقوبة والعتاب واللوم… في حال التقصير، والملاحظ في هدي النبوة يجد الوعد للمصيب، والوعيد للمخطئ المصر على الخطأ مراعاة للنفس وتربيتها وتنشئتها على حال تترقى به في درجات الكمال، وتزكية النفوس وإقامة لصلاحها.
لكن فرض العقوبة يكون حتمياً في حالات تكون هي الأنسب حلاً كما يراه المربي -فالتربية أمر اجتهادي- حيث يراعي المخطئ وباعث خطئه وظرفه ونوع الخطأ المرتكب.
فإذا تحقق للمربي أن الخطأ يستلزم العقوبة فإن من الجدير أن يختار نوع العقوبة البالغة التأثير، والموصلة للهدف المرجو، وحتى تكون العقوبة حلاً ومنطلقاً يوقظ المخطئ من خطئه، لا غرضاً تجريبياً، أو ردة فعل صادرة من قبل المربي -أياً كان المربي- ولذلك ينبغي قبل العقوبة أن يرقب المربي أثرها سلباً وإيجاباً، وينظر نظرة مستقبلية لما سينتج عنها زيادة ونقصاً في سلوك المخطئ، فإن للعقوبة آثار سلبية وإيجابية تنتج عن استعمالها فلابد إذن من الموازنة.
فمن الموازنة أن يحمد فعل المحسن، ويذم فعل المسيء ويصحح.
وإن ظهر فعل الجميل منهُ | فينبغي بأن يجازى عنهُ |
وأن يبجلْ قدرُهُ ويمدحُ | بما به بين الأنام يفرحُ |
وإن فعلْ فعلاً ذميماً سراً | فينبغي أن لا يعاقبْ جهراً |
ولا يذم بين أصناف الورى | فإنه يخشى بأن يتجاسراَ |
ولا يبالي بعده بالعذلِ | وبالملام عند كل فعلِ1 |
وذلك رغبة في إعمال حق العقوبة، وبلاغ أثرها في نفس المعاقَب، ولتتحقق إيجابياتها المرجوَّة والتي منها:
· تعديل الخطأ الواقع.
· تربية النفس على قبول النقد والعقوبة، وحب التغيير.
· الحد من وجود الأخطاء.
· تجربة المربي نفسه في تربية الآخرين والوقوف أمام أخطائهم بحكمة.
· تأهيل المتربي للتربية مستقبلاً، وذلك بمعرفة الأخطاء وإصلاحها ووسائل تغييرها،وطرق العقوبة، وغير ذلك.
· التجديد في الوسيلة للوصول إلى الهدف التربوي، فيُعدل عن اللوم والعتاب أو التغاضي والتغافل أحياناً إلى العقوبة، والأخذ بزمامها.
وغير هذه الإيجابيات كثير، ولكن ليحرص المربي من الوقوع في بعض السلبيات من خلال استخدام العقوبة فيرجع الأمر إلى نقيض قصده، ولأن الأمر نفسي فأثر العقوبة أمر غير يسير إن كان سلبياً، فقد يهدم المربي ما بناه في وقت طويل بسبب عقوبة أساء تعاطيها أو تقديرها أو اختيارها، ومن هذه السلبيات:
· إكساب المخطئ شيئاً من اليأس عند إشعاره بالخطأ بصورة غير موفقة.
· نفور المتربي عن الاستمرار.
· إضفاء صورة سيئة حول المربي أو المحضن التربوي مثلاً.
· جعل المتربي يزيد عناداً وإصراراً وتبريراً للخطأ.
· اللامبالاة عند سماع النقد والنصيحة.
· الاعتياد على الأخطاء، وتوقع النقد المقابل، وإعداد الجواب والتملص منه.
· التعود على العقوبة يجعلها سهلة الامتصاص بسبب الاعتياد.
· امتهان المربي وتخطيئه وبالتالي قد تسقط هيبته التي هي الأصل من مقوماته.
وقد توجد سلبيات أكثر من هذه وأعظم وأدهى، بسبب عقوبة ساء مدبرها وضعها وتقديرها،وأخطأ وقتها وظرفها، فلهذا على المربين قبل طرح العقوبة دراسة آثارها سلباً وإيجاباً، وحسن تقديرها حتى يكون المطلوب حاصلاً عقب ذلك.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا صالحين مصلحين، هادين مهتدين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.