أحكام النعال والشتاء
الشيخ: محمد صالح المنجد
عناصر الخطبة:
1. الاستعداد للشتاء بما يناسبه.
2. الشتاء فرصة للتزود من الطاعات.
3. يسر الشريعة تتجلى في أحكام المسح على الخفين.
4. لطائف وأحكام النعال.
5. الهدي النبوي في استخدام النعل وأحكام مهمة.
6. أحكام المسح على الخفين أو ما في حكمهما.
7. مسائل متفرقة متعلقة بالنعال.
8. رخص وأحكام في الشتاء.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. أما بعد:
الاستعداد للشتاء بما يناسبه
فإن موسم الشتاء من المواسم الفاضلة التي فيها فرصة عظيمة لكسب الأجر والثواب، وتعلم الأحكام المتعلقة بالشتاء فيه إعانة عظيمة للمسلم على عبادة ربه في جميع الأحوال؛ فهو يعبد ربه حضراً وسفراً، صيفاً وشتاءً، ربيعاً وخريفاً، في الأرض وفي السماء.
وفي الشتاء ينزل الغيث: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى:28)، وقد امتن الله على عباده بأن خلق لهم ما يتقوُّون به على شدة البرد، قال سبحانه: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (النحل:5)، وهذا الدفء هو ما يتخذ من أصوافها وأوبارها، وأشعارها وجلودها – كما ذكر تعالى – مما يصنعه البشر من الثياب والفُرش، وكذلك الخيام والخباء الذي يستترون به عن البرد، وهذا البرد هو من زمهرير جهنم، وهو سبب باطن لا يشعر به العباد من جهة أصله، وإن كانوا يحسون بأثره، ولا يمنع أن يكون للشيء سبب ظاهر كاقتراب الشمس من الأرض، أو بعدها عنها، وسبب آخر باطن كما يجدون من شدة الحر من فيح جهنم، وكما يجدون من الزمهرير في شدة البرد، فإن شدة البرد من عذاب النار أيضاً، وهذا من التعذيب بالمتقابلات والمتضادات.
وأما أهل الجنة فلا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، وكان عمر بن الخطاب من شفقته على رعيته إذا حضر الشتاء تعاهدهم، وكتب لهم: “إن الشتاء قد حضر فتأهبوا له أُهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً – وهو ما يلي البدن -، ودثاراً – وهو الملابس الخارجية -” [لطائف المعارف لابن رجب (564)].
الشتاء فرصة للتزود من الطاعات:
وفي هذا الموسم فرصة عظيمة لمن يريد الطاعات؛ فإن نهاره قصير يُصام فيه بلا تعب كبير، وليله طويل؛ ففيه فرصة عظيمة للجمع بين النوم والقيام، فيرتاح البدن، ويقوم لله رب العالمين؛ ولذلك كان الشتاء هو الغنيمة الباردة للعابدين، والربيع الخصب للمؤمنين، يرتعون فيه في بساتين العبادات بما يسر الله لهم من الطاعات.
غنيمة تحصل بغير قتال، ولا تعب، ولا مشقة، ولذلك جاء في الحديث الحسن الذي رواه الترمذي: الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء [رواه الترمذي برقم (797)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3863)]، وقال ابن مسعود : “مرحبا بالشتاء تنزل فيه الرحمة، أما ليله فطويل للقائم، وأما نهاره فقصير للصائم” [الفردوس بمأثور الخطاب لابن شيرويه الهمذاني (4/164)]، ولما نزل الموت بأحد السلف بكى، فقيل له: أتجزع من الموت وتبكي؟! فقال: “والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على دنياكم، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء” [صفة الصفوة (3/202)] يعني هذا الذي سيفوت بانقطاعه عن الدنيا.
يسر الشريعة تتجلى في أحكام المسح على الخفين
وديننا – يا عباد الله – منهج متكامل، وتشريع شامل لكل نواحي الحياة؛ يشمل حياة الفرد منذ أن يولد – بل من قبل أن يولد – إلى أن يموت، ومن بعد الموت أيضاً، فهناك أحكام للجنين في بطن أمه، وأحكام للإنسان في قبره حتى بعد دفنه، ومراعاة حرمته، وعدم جواز الاعتداء على قبره.
هذا الدين الذي ينظم الحياة في الأكل والشرب، والنوم واليقظة، والعمل والكسب، والعلاقة بالله تعالى، والعلاقة بالمخلوقين، وينظم أيضاً العلاقات بأنواعها المختلفة وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل: من الآية89).
ومما يسَّر الله تعالى لعباده الاستدفاء به هذه العصائب والتساخين، وسُمِّيت الجوارب بالتساخين؛ لأنها تسخِّن القدم، وكذلك فإن ما يُلف عليها مما يستر القدم يُشرع أيضاً المسح عليه، فإذا كان ثابتاً على القدم، ساتراً لها؛ جاز المسح عليه، وهذا يشمل الخُف، والحذاء، والنعال بأنواعها، فإنه يجوز المسح عليها إذا كانت تغطي القدمين، وتسترهما كاملتين إلى الكعبين، وأيضاً لو كان لابساً الجوارب، وفوقها النعال، وأنواع الأحذية جاز أن يُعامل الجميع معاملة واحدة ما دام يستر القدم، وأما إذا لم تستر كامل القدمين مع الكعبين فلا يجوز المسح عليهما، فإذا صار النعل، أو الحذاء مع الجورب الذي تحته ساتراً للقدم جاز المسح عليها جميعاً، ويصيران في حكم الشيء الواحد، ولذلك إذا خلع أحدهما بعد الحدث الذي بعد المسح لا بد أن يخلع الآخر إذا أراد الطهارة، وإذا اقتصر على مسح الجورب تحت الحذاء كفاه ذلك، وجاز له خلع النعال والحذاء متى شاء.
لطائف وأحكام النعال
ومن السنن أيضاً أن النبي ﷺ صلى في نعليه، وهذا يعين في البرد أيضاً، وقد سأل أنس : “أكان النبي ﷺ يصلي في نعليه؟ قال: نعم، وقال: خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم [رواه أبو داود برقم (652)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح (1/168) برقم (765)]، ومحل هذا المسجد المفروش بالتراب والحصباء، وكذلك إذا صلى في الخلاء، أما المسجد المفروش بالسجاد فإنه لا بد من خلع النعال قبل وطأه؛ لأن إتلاف الموقوفات على المساجد لا يجوز، وكذلك لا يؤمن من تلويث الفُرُش التي في المسجد، وإيذاء المصلين. والصلاة في النعال مستحبة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: “رأيت رسول الله ﷺ حافياً ومنتعلاً” [رواه أبو داود برقم (653)، وقال الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح أبي داود برقم (660)].
وإذا أراد المصلي أن يصلي في غير نعليه؛ فإنه يضع نعليه بين رجليه أو عن يساره إن لم يكن عن يساره أحد؛ لقول النبي ﷺ : إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره؛ فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين رجليه [رواه أبو داود برقم (654)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح (1/169) برقم (767)].
ولا بأس باتخاذهما سترة إن لم يكن بهما شيء بَيِّنٌ من نجاسة أو أذى، وإذا صلى فيهما ثم تذكر أن فيها نجاسة لزمه خلعها فوراً؛ لما جاء عن أبي سعيد الخدري قال: “بينما رسول الله ﷺ يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟! قالوا: رأيناك ألقيت نعليك؛ فألقينا نعالنا، فقال رسول الله ﷺ : إن جبريل ﷺ أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً، أو أذى، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً، أو أذى؛ فليمسحه، وليصلِّ فيهما [رواه أبو داود برقم (650)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (461)]، وفي الحديث أن التراب يُطهر ما كان بالنعل من الأذى، ومن صلى وفي نعله نجاسة لم يعلم بها إلا بعد الصلاة فلا شيء عليه كما يتبين من الحديث؛ لأن النبي ﷺ لم يعد أول صلاته؛ بل مضى فيها بعد أن خلع نعليه، وكذلك الثياب إذا كان بها نجاسة.
وكان النبي ﷺ يلبس النعلين وهو معروف من لباس الأنبياء من قديم فقد قال الله تعالى لموسى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (طـه: من الآية 12)، وهذا الأمر لتعظيم البقعة وقيل: “أُمر بخلع النعلين للخشوع والتواضع عند مناجاة الله تعالى، وكذلك فعل السلف عند الطواف بالبيت” كما ذكره القرطبي رحمه الله [تفسير القرطبي (11/173)].
الهدي النبوي في استخدام النعال وأحكام مهمة
والنعال من عادات العرب التي كان لبسها النبي ﷺ وأصحابه من بعده كما قال ابن القيم: “النعلان هما من زي العرب من آباد الدهر إلى يومنا هذا، ثم رسول الله ﷺ كان يلبسهما، ويستعملهما، وكذلك الصحابة من بعده” [أحكام أهل الذمة (3/1297)].
وكان لنعليه عليه الصلاة والسلام زمامان، فعن أنس : “أن نعل النبي ﷺ كان لها قِبالان” [رواه البخاري برقم (5857)]، وقال ثابت عن نعل أنس التي لها قبالان: “هذه نعل النبي ﷺ ” [رواه البخاري برقم (5858)].
والقِبال رباط النعال الذي يكون بين الأصبعين، وقد “كان لنعل النبي ﷺ سيران يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها، ويضع الآخر – أي السير الآخر – بين الوسطى والتي تليها، ومجمع السيرين إلى السير الذي على وجه قدمه ﷺ وهو الشراك” كما قال صاحب تحفة الأحوذي في وصف نعل النبي ﷺ [تحفة الأحوذي (5/382)].
وكان من تواضعه أنه كان يصلحها بنفسه، فعندما سُئلت عائشة رضي الله عنها: “ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله” يعني يخيط ويرقع، “ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم” [رواه أحمد برقم (24382)، وصححه الأرناؤوط وغيره في تحقيق المسند (41/390)]. والمسافر، والذي يمشي مسافة طويلة يحتاج إلى النعال كثيراً، وخصوصاً عندما تكون الأرض باردة في الشتاء ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: استكثروا من النعال؛ فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل رواه مسلم برقم (2096)]، فقد أمر بكثرة الانتعال لدفع المشقة والأذى، ولحصول السلامة للقدمين، وشبَّه المنتعل بالراكب في خفة المشقة عليه، وقلة تعبه، وسلامة رجله مما يعرض في الطريق من الخشونة، والشوك، والأذى ونحو ذلك.
وليس من الكِبر أن يتخذ الرجل نعلاً حسناً؛ لأن رجلاً سأل النبي ﷺ عن: “الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس“[رواه مسلم برقم (91)]، وقد كان عليه الصلاة والسلام له نعال يلبسها أحياناً من النوع الجيد الحسن فعن عُبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رضي الله عنهما مستنكراً عليه: “رأيتك تلبس النعال السِّبتية” وهي نعال مصنوعة من جلد البقر المدبوغ، ولا يلبسها من العرب إلا وجوه الناس وأشرافهم، وأهل السَّعة والنعمة فيهم، فقال عبد الله بن عمر: “إني رأيت رسول الله ﷺ يلبس النعال التي ليست فيها شعر” وهي النعال السبتية، “ويتوضأ فيها؛ فأنا أحب أن ألبسها” [رواه البخاري برقم (166)]، وفي الحديث أن الإنسان إذا ضمن وصول الماء إلى قدمه وهي داخل النعال فلا يجب عليه أن يخلعها.
ولها دعاء إذا كانت جديدة كسائر ما يُلبس وهو قول النبي ﷺ : اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له [رواه الترمذي برقم (1767)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4664)]، وقد عنون عليه النووي – رحمه الله – في رياض الصالحين: “باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً، أو نعلاً، أو نحوه” [رياض الصالحين (1/ 169)]. والسنة البدء بلبسها باليمين، وإذا نزعها بدأ بالشمال، وأخَّر اليمين؛ لتكون اليمنى أولهما تلبس، وكذلك آخرهما تُنزع لقوله – عليه الصلاة والسلام -: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال؛ ليكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع [رواه البخاري برقم (5856) بلفظه، ومسلم برقم (2097)]، وهذا من تكريم الشريعة لليمين، وجهة اليمين، وأنها أكرم من الشمال، ولذلك يُبدأ فيها بالكرامة، وهو اللبس الذي هو وقاية للبدن قال ابن عبد البر – رحمه الله -: “من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء وخالف السنة” [التمهيد (18/182)].
وأرشد النبي ﷺ الذي يشق عليه لبسها واقفاً أن يجلس ويلبس، وهذا في بعض الأنواع التي فيها تربيط، وصعوبة إدخال ونحو ذلك، وقد جاء عند الترمذي عن أبي هريرة قال: “نهى رسول الله ﷺ أن ينتعل الرجل وهو قائم” [رواه الترمذي برقم (1775)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم)]؛ وإنما نهى عن لبسها قائماً لأن لبسها قاعداً أسهل عليه، وأمكن له، وربما كان لبسها قائماً سبباً في انقلابه وسقوطه؛ فأُمر بالقعود والاستعانة باليد فيه ليأمن الغائلة، وهذا من حرص الشريعة على سلامة البدن حتى الأشياء اليسيرة التي فيها إبعاد الأذى عن الناس تأتي بها، وهذا النهي ذكر العلماء تخصيصه بما في لُبسه كلفة وتعب كالخف، وأما ما لا مشقة في لبسه فتدخل فيه القدم وتخرج بسهولة فإنها لا تدخل في هذا قال الفقيه ابن عثيمين – رحمه الله -: “وأما النعال المعروفة الآن فلا بأس أن ينتعل الإنسان وهو قائم، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأن نعالنا الموجودة يسهل خلعها ولبسها” [شرح رياض الصالحين (4/192)].
وكذلك فإنه إذا كان في رحلة برية – وكثيراً ما يخرج الناس في مثل هذا الوقت إلى البر -، والبر فيه هوام، وفيه من أنواع العقارب والعناكب وما يؤذي ما فيه؛ فإنه ينفض ما يكون من متاعه مما يمكن أن تدخل فيه هذه الهوام، ومن ذلك هذه الأحذية المرتفعة التي يمكن أن يدخل فيها شيء يخفى على اللابس؛ ولذلك ورد في بعض الآثار: “عدم لبس الخفين حتى ينفضهما” [المعجم الكبير للطبراني (8/137) برقم (7620)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (5808)] أي لئلا يكون فيهما شيء يؤذي اللابس؛ قال ابن سيرين: “إذا نزع النعلان استراحت القدمان”، ومحل ذلك إذا طال لبسهما؛ فقعد ليستريح مدة طويلة.
وكذلك فإنه لا يؤذي بهما أصحاب الدار مما يوجد لديهم من المفروشات التي لا يرضون بالوطء عليها بالنعال خشية التلويث والاتساخ، وربما كانت مكان صلاة أهل البيت قال عقبة بن أبي الحسناء: “دعوت أبا هريرة إلى منزلي، وفي منزلي بساط مبسوط، فلم يجلس حتى خلع نعليه، ثم مشى على البساط” [أدب الإملاء والاستملاء لأبي سعد السمعاني (1/122)]، فإن كان صاحب الدار يأذن بذلك فلا حرج في وطئها حينئذ. ويُشرع لمن دخل المقابر خلع نعليه إكراماً للأموات لحديث بشير بن الخصاصية قال: “كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فمر على قبور المسلمين…” في الحديث: “فرأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه، فقال: يا صاحب السبتيتين ألقهما [رواه النسائي برقم (2048)، وصححه الألباني في صحيح النسائي في صحيح النسائي بنفس الرقم]، فنظر الرجل؛ فلما عرف رسول الله ﷺ خلعهما فرمى بهما” [رواه أبو داود برقم (3230)، وقال الألباني: صحيح الإسناد، انظر إرواء الغليل (3/211)]، وقد سبق أن السبتيتين نعلان متخذان من السِّبت وهو جلود البقر المدبوغة، وليس هذا خاصاً بالنهي بل يعم كل ما يُلبس، فلا يجوز أن يمشي بالنعال في المقبرة إلا عند الحاجة مثل وجود الشوك، أو الرمضاء الشديدة، ومحل النهي بين القبور مراعاة لحرمة الأموات، وأما طرق المقبرة الواسعة، ومدخل المقبرة فلا بأس بالمشي في النعال فيها، فإن لم يمر بين القبور فلا يخلعها كمثل أن يقف في أول المقبرة ويسلم.
أحكام المسح على الخفين أو ما في حكمهما
وإذا أراد المصلي أن يصلي في غير نعليه فإنه إذا خلعهما بعد أن مسح عليهما؛ فلا يجوز له أن يلبسهما مرة أخرى للمسح؛ لأن خلع الممسوح – وإن كان الراجح أنه لا ينقض الوضوء – لا يبيح أن يُلبس مرة أخرى للمسح بعد خلعه، أو خلع أكثره كالجورب إذا أراد أن يمسح مرة أخرى عليه وقد مسح من قبل، فإذا لبسها على طهارة ثم أحدث ومسح عليها، ثم خلعها بعد ذلك؛ فلا يجوز له أن يمسح عليها إلا بعد طهارة مائية كاملة بغُسل القدمين، يلبس ما شاء بعد ذلك على طهارة ثم يمسح عليه.
وهذا المسح من التخفيف واليسر الذي جاء في دين الإسلام، وهو رخصة من رُخص الشريعة، فمن كان لابساً للخفين أو الجوربين؛ فله أن يمسح عليها، ولا يحتاج لخلعهما من أجل غسل قدميه، ويشترط أن يلبسهما على طهارة كاملة بغسل القدمين. ومدة المسح أربع وعشرون ساعة للمقيم تبدأ من أول مسح بعد الحدث، فإذا لبست الجوربين، أو الخفين، أو النعلين على طهارة، وصليت ما شاء الله أن تصلي، ثم انتقض الوضوء، ومسحت؛ فإن الأربع والعشرين الساعة تبدأ من ذلك الحين. ومن أصابته جنابة فلابد أن ينزع خفيه أو جوربيه ليغتسل من الجنابة، والمسح على الخفين والجوربين يكون على ظاهرهما وأعلاهما فقط، وأما الوضوء فإنه لا ينتقض بخلع الممسوح عليه على الراجح.
ومن خرج من المسجد ولم يجد نعليه فلا يجوز له أخذ أي نعل كانت بدلاً منها؛ لأن مال الإنسان لا يحل إلا بطيب نفس منه، والنعال من الأموال، وإذا وجد مكانها نعلاً أخرى قد شابهتها، وغلب على ظنه أن صاحب هذه النعل المتروكة قد أخطأ، وأخذ نعليه بدلاً منها؛ جاز له أخذها، فإن كانت التي وجدها أحسن من نعله أخذها وتصدق بالفرق، وإن كانت التي أخذها ذلك الإنسان – أي نعل صاحبنا الخارج من المسجد – أحسن وهذه التي وجدها أردأ فإنها يشرع له العفو والمسامحة عن ذلك الآخذ.
صلَّى القاضي الفقيه محمد بن هبة الله يوماً بالجامع، وخلع نعليه قُرب المنبر، وكانا جديدين، فلما قضى الصلاة قام ليلبسهما، فوجد نعليه العتيقين مكانهما، فلما رجع بيته سأل غلامه عن ذلك: كيف صارت القديمة بدل الجديد؟ كيف جاءت القديمة من البيت؟ قال الغلام: “جاء إلينا واحد الساعة – يعني قبل قليل -، وطرق الباب، وقال: يقول لكم القاضي: أرسلوا إليه مداسه العتيق؛ فإن مداسه الجديد قد سُرق”، فضحك القاضي، وقال: “جزاه الله خيراً، فإنه لص شفوق، وهو في حِلٍّ منه” [الوافي بالوفيات (5/106)]، وهذا الشاهد في قضية المسامحة للمسلمين، وقد يكون الآخذ محتاجاً إليها، وقد أخذها، مع أن أخذها حرام لا يجوز؛ لأن سرقة النعال هي سرقة تنطبق عليها أحكام تحريم السرقة، ومن أخذها عامداً آثم، ولا يجوز أخذها أصلاً حتى لمن احتاج إليها دون إذن صاحبها.
والسنة للمحرم بالحج والعمرة أن يلبس النعلين لقوله عليه الصلاة والسلام: ليُحرم أحدكم في إزار، ورداء، ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين [رواه ابن خزيمة في صحيحه (4/163) برقم (2601)]. ويجوز للمحرم لبس الأحذية التي ساقها دون الكعبين؛ قال شيخ الإسلام: “الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين مثل الخُف المكعَّب، والجُمجم، والمداس ونحو ذلك” [مجموع الفتاوى (26/110)] وهذا سواء كان واجداً للنعلين، أو فاقداً لهما، وإذا لم يجد نعلين، ولا ما يقوم مقامهما؛ فله أن يلبس الخف، ولا يجب عليه قطعه. ومن طاف بالكعبة؛ فليحمل نعليه بيديه أثناء الطواف، فعن مِقْسَم مولى عبد الله بن الحارث قال: “خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقاً نعليه بيده” [رواه أحمد برقم (6998)، قال الأرناؤوط وغيره: صحيح، وهذا إسناد حسن، انظر تحقيق المسند (11/614)].
وقد ورد في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد قصة الصحابي الذي كان لا ينام وفي قلبه شيء أو غل على أحد، وكان قد خرج عليهم متعلقاً نعله بيده الشمال، ففيه حمل النعلين بالشمال.
وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا ساق هديه في الحج “دعا بناقته فأشعرها…، وقلدها نعلين” [رواه مسلم برقم (1243)] أي علَّق في عنقها هذين النعلين علامة على أنها هدي، وهذا التقليد للهدي، والتعليم والشعار؛ سنة إبراهيمية، بقيت في الجاهلية، وأقرها الإسلام.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا سنة نبينا ﷺ ، وأن يحيينا على السنة، ويميتنا عليها؛ إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، خلق فسوى، وقدر فهدى يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (الزمر: من الآية5)، يطول هذا، ويقصر هذا في الصيف والشتاء، وهو الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بعثه رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، فعلَّمنا؛ فلم يترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، حتى في هذه القضايا الدقيقة التي لا يوجد شرع آخر، ولا دين، ولا نظام في الأرض فيه هذه الأحكام بدقائقها.
عقيدة، توحيد، أصول، مسائل كبار، حتى العلاقات الدولية، وأيضاً هذه التفصيلات، والمسائل الدقيقة موجودة في الشريعة! هذا دليل على كمالها.
مسائل متفرقة متعلقة بالنعال:
إذا سمعت بحديث النبي ﷺ “أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة” [رواه مسلم برقم (2099)]، فإنك تتعجب حتى هذه النعل الواحدة ورد فيها توجيه! ورد فيها أدب شرعي! ولذلك قال العلماء: “يُكره المشي في نعل واحدة، أو خف واحدة، أو مداس واحد؛ إلا لعذر” [شرح مسلم للنووي (14/75)]؛ لأنه قد يكون في رجله الأخرى جبس مثلاً؛ فهو يمشي بنعال في الثانية لعذر، وأما أن يمشي بنعل واحدة مع عدم وجود عذر فإن الحكمة في النهي عنه – كما ورد في الحديث الآخر – منع التشبه بالشيطان، فقد صح في بعض طرق الحديث: إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة [أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (2/142)، وصححه إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (348)]، ولأن في المشي بواحدة تشويهاً، ومثلة، ومخالفة للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعثر مشيه، وربما كان سبباً للعِثار، وليعدل بين أعضائه أيضاً، وهذا من العجب! كمال هذه الشريعة! فقد جاء في الحديث أيضاً: لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، ليُحفِهما جميعاً، أو لينعلهما جميعاً [رواه البخاري برقم (5855) بلفظه، ومسلم برقم (2097)]، وفي رواية لمسلم: من انقطع شِسْع نعله؛ فلا يمشي في نعل واحدة حتى يُصلح شِسْعه [رواه مسلم برقم (2099)]. ومن لطائف الأخوة ما جاء عن محمد بن مناذر قال: “كنت أمشي مع الخليل بن أحمد – وهو اللغوي المشهور -، فانقطع نعلي، فمشيت حافياً، فخلع نعليه وحملهما، ومشى معي، فقلت له: ماذا تصنع؟ قال: أواسيك في الحفاء” [مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (1/94)].
وأما الاحتفاء فإنه جيِّد؛ لأن “النبي ﷺ كان يأمر أصحابه أن يحتفوا أحياناً” [رواه أبو داود برقم (4160)]، فلو كان الإنسان في بر، أو أرض نظيفة، ولم يكن هنالك برد مؤذ ونحو ذلك؛ فإن تعويد هاتين القدمين على الاخشوشان أمر جيد، وقد مشى النبي ﷺ مع بعض أصحابه في سباخ المدينة لحاجة طارئة بلا نعال [صحيح مسلم برقم (925)].
وكذلك فإن هذا الشسع الدقيق فيه ارتباط بين صاحبه الذي انقطع عنده وبين ربه فعن عائشة قالت: “سلوا الله كل شيء حتى الشِسع؛ فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر” [رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (1/314) رقم (355)، وقال الألبان: سنده حسن، انظر السلسلة الضعيفة رقم (21)]، ومعنى ذلك أن الإنسان لا يترك سؤال الله ودعاءه حتى في الأشياء الصغيرة اليسيرة. ومن خدمة العلماء حمل نعالهم، وقد كان ابن مسعود يحمل نعلي النبي ﷺ، وقد قال أبو الدرداء لأهل الكوفة: “أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين، والوساد، والمطهرة؟” [رواه البخاري برقم (3742)] قيل له ذلك لأنه كان يحمل نعلي النبي ﷺ، ويتعاهدهما. وكان يحيى بن زياد الفرَّاء النحوي يؤدب ابني المأمون، فطلب نعليه يوماً فابتدرا إليها أيهما يسبق إلى تقديمها له، فتنازعا في ذلك، ثم اصطلح الولدان على أن يقدم كل واحد منهما نعلاً لهذا الأستاذ، فأطلق لهما أبوهما عشرين ألفاً، وقال له: “لا أعز منك إذ يقدم نعليك ولدا أمير المؤمنين”! [البداية والنهاية (10/261)]، وأين هذا مما يكون اليوم من انتقاص المدرسين والمعلمين، وعدم احترامهم من قبل كثير من الطلاب، وهذا راجع إلى التربية ولا شك.
ولا يجوز وضع المصحف على النعل كما نص على ذلك العلماء؛ لأنه من امتهان القرآن. وأيضاً فإن صاحب النعال التي يَقصد بها الاشتهار من لبسها يلبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة إذا كان يقصد التعالي على الخلق، أو لفت الأنظار إليه، وإذا كانت النعال مصنوعة من جلود السباع؛ فإن لبسها حرام سواء كانت مدبوغة أم لا كما هو قول جمهور أهل العلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نِمْر [رواه أبو داود برقم (4130)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7345)]، والحكمة ما في ذلك من الكبر والخيلاء، والتشبه بالجبابرة، وأهل الترف والإسراف، وأما إن كانت من جلد صناعي يشبه جلود النمور؛ فإنه لا يحرم، والأولى التنزه عنها. ومما حصل عند النساء لبس الكعب العالي الذي أقل أحواله الكراهة؛ لأنه فيه تلبيس وتدليس في طول المرأة، ومزيد إبراز لها في نظر الرجال إذا خرجت بين الأجانب، وخطر السقوط، وتأثير على العمود الفقري كما قرر ذلك الأطباء، وهذه مسألة يدخل فيه التشبه من جهة قول النبي ﷺ في لعنه: الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل [أبو داود برقم (4098)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5095)]. وقد حصل عند بعض النساء المسترجلات اليوم لبس نعال الرجال، كما تضع بعضهن أيضاً غطاء رأس يشبه غطاء رأس الرجل، وعن ابن أبي مليكة قال: “قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأة تلبس النعل؟” أي التي تختص بالرجال “فقالت عائشة رضي الله عنها: لعن رسول الله ﷺ الرَّجُلة من النساء” [رواه أبو داود برقم (4099)، وصححه الألباني في “جلباب المرأة المسلمة” ص (146)]. فأنت ترى – يا عبد الله – رعاية الأصل وهو قضية أن يحافظ كل جنس على جنسه، وأن لا يكون هنالك تداخل وتشبه من الجنسين بالآخر؛ لأن هذا فيه طمس للفطرة، واعتداء على الخلقة والتمييز الذي جعله الله تعالى قاعدة: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (آل عمران: من الآية36)، وفيه إفساد لأخلاق هذه، وأخلاق هذا. ويعتقد بعض الناس أن ترك النعال مقلوبة محرم، وهذا لا دليل عليه من الكتاب والسنة، ولم يقل به أحد من سلف الأمة. وقد أخبر النبي ﷺ أن هذه الأمة تقاتل قوماً نعالهم الشعر كما جاء في البخاري [رواه البخاري برقم (2928)]، وفي رواية لمسلم: يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر [رواه مسلم برقم (2912)]، وهذا دليل على أنه لباس لهم أيضاً، كما أن نعالهم أيضاً تكون من الشعر لما في بلادهم من ثلج عظيم لا يكون في غيرها كما ذكر الشُّرَّاح، ومن أشراط الساعة قوله عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عَذبة سوطه يعني طرف السوط، وشراك نعله أي أحد سيور النعل، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده [رواه الترمذي برقم (2181)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7083)]، فإذاً نطق الجمادات، ونطق الحيوانات، ونطق أعضاء الإنسان في الدنيا؛ هذه من أشراط الساعة الصغرى، وسيكون ذلك ولابد. وقد كان إقامة الحد على شارب الخمر يستعمل فيه النعل كما قال أبو هريرة : “أُتيَ النبي ﷺ برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة : فمنَّا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه” [رواه البخاري برقم (6777)]، وكذلك أدَّب سعيدُ بن المسيب الحجاج لما سرق من صلاته، فقال رافعاً نعليه عليه: “يا سارق، يا خائن؛ تصلي هذه الصلاة! لقد هممت أن أضرب بهما وجهك”، وقد أعطى النبي ﷺ نعليه لأبي هريرة وقال: اذهب، فمن لقيت من رواء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة [رواه مسلم برقم (31)]، قال النووي رحمه الله: “إعطاؤه النعلين لتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم، ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه ﷺ “.
رخص وأحكام في الشتاء:
أيها المسلمون في فصل الشتاء هذا يستعين الناس بأنواع من الأردية، وقد كان الصحابة تتحرك أصابعهم أثناء التشهد بهذه الحركة، وهي السنة في تحريك الأصبع من تحت الأردية، وكذلك كانوا إذا نزل المطر جمعوا بين الصلاتين، ويكون الجمع بين صلاتي النهار: الظهر والعصر، وصلاتي الليل: المغرب والعشاء إذا كان المطر مستمراً في النزول يبل الأرض والثياب، ويؤذي الماشي إلى المسجد، وهذا الشتاء يوقِد فيه بعض الناس حطباً، وقد حذر النبي ﷺ من ترك النار موقدة تشتعل في البيت إذا نام أهله فقال عليه الصلاة والسلام: إن هذه النار إنما هي عدو لكم؛ فإذا نمتم فأطفئوها عنكم [رواه البخاري برقم (6294)]. وبعض الناس يستقبل ما يوقد فيه النار في الصلاة، وهذه فيه مشابهة للمجوس، ولذلك كرهه العلماء، فأما ما يُستعمل من الدفَّايات فإن كان فيها اشتعال شملها الحكم بخلاف دفَّايات الزيت، أو الكهرباء التي ليس فيها اشتعال؛ فلا بأس بالصلاة نحوها، وأن تتخذ سترة.
ويحتاج بعض الناس إلى تغطية فمه من شدة البرد، وحديث النهي عن تغطية الفم في الصلاة هذا موضعه في غير الحاجة حتى لا يحدث تغير لقراءة المصلي، وخروج بالحروف عن حالتها، فيؤدي إلى شيء من تغير المعنى، ولذلك يُكره اللثام على الفم والأنف في الصلاة، أما للحاجة كشدة البرد فلا حرج فيه – كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – إلا إذا كان التلثم لحاجة كشدة البرد؛ فلا حرج فيه. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك. اللهم ارفع لواء الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
اللهم من أراد دينك بخير فانصره، ومن أراد دينك بسوء فأذله واخذله يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك العون للدعاة، وأهل الحق، والمخلصين، ونسألك أن تذل وتخذل المنافقين، وأن ترد كيدهم في نحورهم يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود ومن عاونهم، اللهم إنا نسألك لهم الهزيمة عاجلاً غير آجل، اللهم سلط عليهم جنداً من عندك، اللهم وانصر عبادك عليهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الرفعة والتمكين العاجل لهذه الأمة يا أرحم الراحمين. اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والرشاد للولاة والأئمة يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا. اللهم كفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار. اللهم عاملنا برحمتك، اللهم إنا نسألك أن تغنينا من فضلك، اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.