مكث الحائض والجنب في المسجد

مكث الحائض والجنب في المسجد

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعيـن. أما بعـد..

ما حكم مكث الجنب والحائض في المسجـد؟!

ذكر أهل العلم الأمور التي تحرم على الجنب والحائض.. ومنهـا: الاعتكاف في المسجد إجماعاً ودخول المسجد مطلقاً ولو عبوراً أو مجتازاً، عند الحنفية والمالكية؛ لما أخرجه أبو داود وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جاء رسول الله وبيوت الصحابة شارعة في المسجد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). لكن الحديث ضعيف.

والمراد بالاعتكاف: المكث في المسجد، وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته (إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب) رواه ابن ماجه والطبراني وهو حديث ضعيف ضعفه الألباني وابن حزم وغيرهما. وقد استدل قوم بهذين الحديثين على عدم حل اللبث في المسجد للحائض والجنب؛ وقالوا: يرخص لهم اجتيازه لقوله –تعالى-: )يا أيهـا الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا((النساء43) وعن جابر بن عبد الله قال: كان أحدنا يمر في المسجد جنباً مجتازاً رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور في سننه. وعن زيد بن أسلم قال: (كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يمشون في المسجد وهم جنب ) رواه ابن المنذر.

وعن يزيد بن حبيب: أن رجالاً من الأنصـار كانت أبوابهـم إلى المسجـد، فكانت تصيبهـم جنابـة فلا يجدون المـاء؛ ولا طريق إليه إلا من المسجد، فأنزل الله -تعالى-: )ولا جنباً إلا عابري سبيل() رواه ابن جريروهو مرسل ضعيف.

قال الشوكاني عقب هذا: وهذا من الدلالة على المطلوب بمحل لا يبقى بعده ريب. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله r (ناوليني الخمـرة من المسجد) فقلت: إني حائض ، فقال: (إن حيضتك ليست في يدك) رواه الجماعة إلا البخاري.

وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض) رواه أحمد والنسائي وله شواهد1..

فهذه أدلة من قال بحرمة مكث الحائض والجنب في المسجد، وإن كان بعضها ضعيفاً والبعض الآخر غير صريح في الدلالة على المسألة.. لهذا ذهب بعض العلماء إلى القول بالبقاء على الأصل لعدم ورود حديث صحيح صريح في ذلك.

قال ابن رشد (بداية المجتهد 1/35): (اختلف العلماء في دخول المسجد للجنب على ثلاثة أقوال: فقوم منعوا ذلك بإطلاق، وهو مذهب مالك وأصحابه. وقوم منعوا ذلك إلا لعابر فيه، لا مقيم ومنهم الشافعي. وقوم أباحوا ذلك للجميع ومنهم داود وأصحابه فيما أحسب)، وزاد شيخ الإسلام قولاً رابعاً فقال في مجموع الفتاوى عن حكم الحائض: (ولهذا ذهب أكثر العلماء كالشافعي وأحمد وغيرهما إلى الفرق بين المرور واللبث جمعاً بين الأحاديث. ومنهم من منعها من اللبث والمرور كأبي حنيفة ومالك. ومنهم من لم يحرم المسجد عليها، وقد يستدلون على ذلك بقوله -تعالى-: ((ولا جُنبُاً إلا عابري سبيل)) وأباح أحمد وغيره اللبث لمن يتوضأ؛ لما رواه هو وغيره عن عطاء بن يسار قال: ((رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة))، وذكر الإمام البغوي ما ذكره شيخ الإسلام عن الإمام أحمد وغيره ولم يقيده بـ "لمن يتوضأ" فقال في شرح السنة: وجوَّز أحمد والمزني المكث فيه، وضعَّف أحمد الحديث؛ لأنَّ راويه (أفلت) مجهول، وتأوَّل الآية على أنَّ "عابري السبيل" هم: المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون؛ وقد روي ذلك عن ابن عباس). والحديث الذي ضعفه أحمد هو حديث: ( إني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب). وقد تقدم ذكره.

والشيخ الألباني يميل إلى هذا القول أي عدم الحرمة، انظر ذلك في (تمام المنة) (ص119).

هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..


1 – فقه السنة (1/65-66).