نهاية العالم

نهاية العالم
الحمد لله رب العالمين، ولاعدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قائد الغرِّ المحجلين إلى جنات النعيم،أما بعد:1
فحديثنا اليوم عن علامات الساعة التي ثبتت عن صاحب الوسيلة والشفاعة، وبالأخص عن علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى   في حديثه الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من حديث حذيفة بن أُسَيد الغفاري قال: اطلع علينا النبي   ونحن نتذاكر، فقال المصطفى: ((ما تذاكرون))؟
فقالوا: نذكر الساعة، قال المصطفى: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))2.
قال أبو الدرداء  : “أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث، أضحكني مؤمّل للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فيه وهو لا يدري أسخط الله أم أرضاه، وأبكاني ثلاث: أبكاني فوات الأحبة محمدٍ وصحبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله – تعالى -” {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيداً وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَءوفُ بِٱلْعِبَادِ}3.
تزودمـن معاشك للمعاد 
وقم لله واعمل خيـر زاد
ولاتجمع من الدنيـا كثيراً
فـإن المال يجمـع للنفاد
أترضى أن تكون رفيق قوم
لهم زاد وأنت بغيـر زاد؟
ولعلنا نقتصر على ذكر بعض علامات الساعة التي أخبر نبينا بنهاية العالم عند ظهورها، ومن أهمها:
معاهدة الروم
في البداية يكون المسلمين في حلف (معاهدة) مع الروم، ونقاتل عدواً من ورائنا، ونغلبه، وبعدها يصدر غدر من الروم، ويكون قتال بين المسلمين والروم، وفي تلك الأيام تكون الأرض قد مُلِئَت بالظلم والجور والعدوان، ويبعث الله – تعالى – رجل من آل بيت النبي محمد  يقول عنه الرسول  : ((يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي؛ يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً))4.
خروج المهدي
ثم يرفض هذا الرجل أن يقود الأمة، ولكنه يضطر إلى ذلك لعدم وجود قائد، ويُلزَم إلزاماً، ويُبَايَع بين الركن والمقام، فيحمل راية الجهاد في سبيل الله، ويلتف الناس حول هذا الرجل الذي يسمى بالمهدي، وتأتيه عصائب أهل الشام، وأبطال العراق، وجنود اليمن، وأهل مصر، وتتجمع الأمة حوله، وتبدأ بعدها المعركة بين المسلمين والروم حتى يصل المسلمون إلى القسطنطينية – إسطنبول -، ثم يفتحون حتى يصل الجيش إلى أوروبا، حتى يصلون إلى روما – إيطاليا -، وكل بلد يفتحونها بالتكبير والتهليل، وهنا يصيح الشيطان فيهم صيحة ليوقف هذه المسيرة فيقول: “إن الدجال قد خلفكم في ذراريكم”، ويقول: “قد خرج الدجال”، فيقوم المهدي بإرسال عشرة فوارس هم خير فوارس على وجه الأرض يقول الرسول  : ((أعرف أسمائهم وأسماء أبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على وجه الأرض يومئذ))5
ليتأكدوا من خروج المسيح الدجال، لكن لما يرجع الجيش؛ فإن الدجال يظهر حقيقةً من قِبَلِ المشرق، ولا توجد فتنة على وجه الأرض أعظم من فتنة الدجال.
خروج الدجال
فيخرج الدجال فيمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وباقي أيامه كأيامنا، ويعطيه الله قدرات حيث يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت؛ إذا آمنوا به، وإن لم يؤمنوا، وكفروا به؛ فإنه يأمر السماء بأن تمسك مطرها، والأرض بأن تقحط حتى يفتن الناس به، ومعه جنه ونار، فإذا دخل الإنسان جنته؛ دخل النار الحقيقية، وإذا دخل ناره دخل الجنة، وصفة سيرِهِ سريعة جداً كالغيث استدبرته الريح،فيجوب الأرض كلها ما عدا مكة والمدينة وقيل بيت المقدس.
ومن فتنة هذا الرجل أنه يدعي الألوهية (أي أنه هو الله)، وفي هذه الفتنة يتبعه سبعون ألفاً من اليهود، ويتبعه كثير من الجهال وضعفاء الدين، ويحاجج من لم يؤمن به بقوله: أين أباك وأمك؟، فيقول: قد ماتوا منذ زمن بعيد، فيقول: ما رأيك إن أحييت أمك وأباك أفتصدق؟ فيأمر القبر فينشق، ويخرج منه الشيطان على هيئه أمه فيعانقها، وتقول له الأم: يابني آمن به فإنه ربك، فيؤمن به، ولذا أمر الرسول   أن يهرب الناس منه، ومن قابله فليقرأ عليه فواتح وخواتيم سورة الكهف فإنها تعصمه – بإذن الله – من فتنته، ويأتي أبواب المدينة فتمنعه الملائكة من دخولها، ويخرج له رجل من المدينة فيقول له: أنت الدجال الذي حذرنا منه النبي  ، فيضربه فيقسمه نصفين، ويمشي بين النصفين، ثم يأمره فيقوم مرة أخرى، فيقول له: الآن آمنت بي؟ فيقول: لا والله ما أزددت إلا يقيناً أنك الدجال.
وفي ذلك الزمان يجيِّش المهدي الجيوش في دمشق الشام، ويذهب الدجال إلى فلسطين، ويتجمع جميع اليهود كلهم في فلسطين مع الدجال للملحمة الكبرى.
نزول عيسى بن مريم
ويجتمع المسلمون في المنارة الشرقية بدمشق في المسجد الأبيض الذي قال بعض العلماء أنه المسجد الأموي، ويريد المهدي والمجاهدون معه مقاتلة الدجال لكن لا يستطيعون، وفجأةً يسمعون الغوث “جاءكم الغوث، جاءكم الغوث”؛ ويكون ذلك وقت الفجر بين الأذان والإقامة،
والغوث هو عيسى بن مريم   حيث ينزل من السماء على جناحي مَلَكٍ، فيصف الناس لصلاة الفجر، فحينها يُقدِّم المهديُ عيسى بن مريم للصلاة بالناس، فيأبى عيسى  ، ويقدِّم المهدي للصلاة فيصلي، ثم يحمل الراية عيسى بن مريم ، وتنطلق صيحات الجهاد “الله أكبر” إلى فلسطين، ويحصل القتال، فينطق الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فأقتله، فيقتله المسلم، فلا يسلط أحد على الدجال إلا عيسى بن مريم  فيضربه بحربه فيقتله، ويرفع الرمح
الذي سال به دم ذلك النجس، ويكبر المسلمون، ويبدأ النصر، وينطلق الفرح بين الناس، وتنطلق البشرى في الأرض، فيخبر الله ​​​​​​​  عيسى بن مريم: “يا عيسى حرِّز عبادي إلى الطور (أهربوا إلى جبال الطور، ولماذا؟) قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد على قتالهم (أي سوف يأتي قوم الآن لا يستطيع عيسى ولا المجاهدون على قتالهم)”6.
خروج يأجوج ومأجوج
فيهرب المسلمون إلى رؤوس الجبال، ويخرج يأجوج ومأجوج لا يتركون أخضر ولا يابس، بل يأتون على بحيرة فيشربونها عن آخرها فتجف، حتى يأتي آخر جيشهم فيقول: “قد كان في هذه ماء”، وكل هذه الأحداث تحدث في سبع سنين، وعيسى الآن مع المؤمنين على الجبال يدعون الله – جل وعلا -، ويأجوج ومأجوج يعيثون بالأرض مفسدين، ويظنون أنهم قد قتلوا وقضوا على جميع أهل الأرض، ويقولون: نريد أن نقتل ونقضي على أهل السماء، فيرمون سهامهم إلى السماء؛ فيذهب السهم ويرجع بالدم، فيظنون أنهم قتلوا أهل السماء.
نهاية يأجوج ومأجوج وموت عيسى – عليه السلام –
وبعد أن يلتهوا بمغنمهم، ويدعو عيسى بن مريم والمؤمنون الصادقون ربهم أن يقضي على هؤلاء المردة الفجرة؛ يرسل الله ​​​​​​​  على يأجوج ومأجوج دودة اسمها “النغف” تقتلهم كلهم كقتل نفس واحدة، ثم يرسل عيسى بن مريم رجلاً من خير الناس فينزل من الجبل ليرى ما حدث على الأرض، فينظر ويرجع ليبشر عيسى   ومن معه أنهم قد ماتوا وأهلكهم الله – تعالى -، فينزل عيسى   والمؤمنون إلى الأرض مستبشرينبقتل يأجوج ومأجوج، وعندها يدعو عيسى   ربه بأن ينجيه ويخلصه لأنهم قد أنتنوا الأرض كلها، فتأتي طيور عظيمة فتحمل هذه الجثث، وينزل المطر فيغسل الأرض،ثم تنبت الأرض، ويحكم عيسى بن مريم   حكمه العادل في الأرض، وتكثر الخيرات، ثم يموت عيسى بن مريم  .
خروج الدابة
بعد هذه الأحداث تبدأ أحداث غريبة؛ إذ يسمع الناس فجأة أن هناك دابةً خرجت في مكة، وهذا الحيوان يتكلم كالبشر، ولا يتعرض له أحد، فإذا رأى إنساناً وعظه، وإذا رأى كافراً ختم على جبينه أنه كافر، وإذا رأى مؤمناً ختم على جبينه أنه مؤمن، ولن يستطيع تغيير هذا الختم.
وتزامناً مع خروجها يحدث أمر آخر في الكون وهو طلوع الشمس من مغربها حيث يقفل باب التوبة نهائياً، ولا ينفع استغفار ولا توبة في ذلك اليوم ولا بعده، ثم ترجع مرة أخرى، ولا تنتهي الدنيا، غير أن باب التوبة قد أغلق يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” بعد أن ذكر آثاراً كثيرة تدل على استمرار إغلاق باب التوبة بعد طلوع الشمس: ” فهذه آثار يشد بعضها بعضاً متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب أُغلق باب التوبة، ولم يفتح بعد ذلك، وأن ذلك لا يختص بيوم الطلوع، بل يمتد إلى يوم القيامة”.
الدخان
ثم  يحدث حدث آخر حيث يرى الناس السماء كلها قد امتلأت بالدخان، والأرض كلها تغطت بالدخان يحجبهم عن الشمس والكواكب والسماء، فيبدأ الناس – العصاة – بالبكاء والاستغفار والدعاء، ولكن لا ينفعهم.
حدوث الخسوف
ثم تحدث ثلاثة خسوفات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب وهو خسف عظيم يبتلع الناس.
وفي تلك الأيام تخرج ريح طيبة من قِبَلِ اليمن تنتشر في الأرض، وتقبض روح كل مؤمن على وجه الأرض، فتقبض أرواحهم كالزكمة – مثل العطسة -، ولا يبقى في الأرض إلا شرار الناس، فلا يوجد مسجد ولا مصحف، ولا يحج إلى بيت الله أحد، وترفع المصاحف حتى من الصدور، وحتى حرم المدينة المنورة يأتيه زمان لا يمرُّ عليه إلا السباع والكلاب، حتى إن الرجل ليمر عليه فيقول: قد كان هنا حاضرة من المسلمين.
وفي ذلك الوقت لا يبقى في الأرض إلا الكفار والفجار حتى لا يقال في الأرض كلمة “الله”، حتى إن بعض الناس يقولون: “قد كنا نسمع أجدادنا يقولون: لا إله إلا الله”، وهؤلاء لا يعرفون معناها، وينتهي الذكر والعبادة فيتهارجون تهارج الحمر، فلا يوجد عدالة ولا صدق ولا أمانة، الناس يأكل بعضهم بعضاً، ويجتمع شياطين الإنس والجن.
خروج نار من جهةاليمن
في ذلك الوقت تخرجنار من جهة اليمن تبدأ بحشر الناس كلهم، ويهرب الناس على الإبل؛ الأربعة على بعير واحد يتناوبون عليها، ثم يهرب الناس من هذه النار حتى يتجمعون كلهم في الشام على أرض واحدة.
النفخ في الصور
فإذا تجمع الناس على هذه الأرض؛ أذن الله ​​​​​​​ لنافخ الصور أن ينفخ النفخة الأولى “إن الساعة قد قامت”، عندها فإن كل الخلق يموتون: البشر والحيوانات، والطيور والحشرات، والجن وكل مخلوق في الأرض والسماء؛ إلا من شاء الله.
وبين النفخة الأولى والثانية أربعون “لا يدرى أربعون ماذا؟ يوم، أسبوع، شهر”، وفي خلال هذه الأربعين ينزل مطر شديد من السماء، وتبدأ أجساد الناس من آدم إلى آخر واحد منهم والتي سبق أن انتهت؛ تنبت وتتكون، فإذا ما اكتملت الأجساد؛ أمر الله نافخ الصور أن ينفخ ليرى الناس أهوال القيامة، وهكذا ينتهي العالم.
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، وتوفنا وأنت راض عنا، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

1 مرجعها ما رواه مسلم برقم (2937) كتاب الفتن.

2 رواه مسلم برقم (2901).

3 آل عمران (30).

4 رواه أبو داود وصححه الألباني في المشكاة برقم (5454).

5 رواه مسلم برقم (2899).

6 رواه مسلم برقم (2937).