من كذب علي متعمداً

من كذب علي متعمداً

 

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه وفعله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم رسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه في هديه وسلم تسليماً، أما بعد:

إخواني:

يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (105) سورة النحل. ويقول تعالى: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (10) سورة البقرة. وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} (7) سورة الجاثية.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (..وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).1

وفي رواية أبي داود: (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي …).2

هذه النصوص من الكتاب والسنة وغيرها تشير إلى الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه، إذ أن الكذب من الصفات الدنيئة التي حرمها إسلامنا الحنيف، وجعلها من صفات المنافقين.

والكذب -عباد الله- من كبائر الذنوب، وإن كان عند بعض الناس يجري على ألسنتهم جريان الماء من السقاء، لكنه عند الله عظيم.

وهذا في حال كون الكذب مع المخلوقين، لكنه يتعاظم عندما يكون في حق الخالق جل جلاله، فلا شك أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، ويلي في الإثم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنه في الدرجة الثانية.

 فقد روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).3

فما أعظمها من بشارة من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لذلك الذي تجاوز حده في الكلام، حتى بلغ الغاية في الافتراء.

بشرى بجهنم وبذلك المقعد ذو الخصوصية النارية لمن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم!

وما أكثر الذين ينسبون الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه قالها وهو لم يقلها، وهذه جرأة ينبغي على المسلم أن يتجنبها.

وما أكثر أولئك الذين يتكلمون باسم الأمة وباسم الشريعة الإسلامية وهم من أقزام القوم ومن نكرات المجتمع مستندين في ذلك إلى زبالة عقولهم النتنة، ورادين لفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، زاعمين أنهم لم يفهموا مراد النبي الكريم، كما فهمته عقولهم الشريرة؛ فلووا معاني النصوص النبوية حسب مرادهم، ومآربهم، ولا سيما باسم وسطية الإسلام وعدله.

إن وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة هي التي جعلت الحرمة مغلظة في حق المفتري عليه، كيف لا، وهو المبلغ عن الله، فالكذب عليه يعني أنه كذب على الله تعالى وتعبيد الناس بما لم يبلغه صلى الله عليه وسلم عن الله.

ولا تنس أخي المسلم تلك الآثار السيئة التي تظهر من جراء الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي منها تحريف الشريعة، وتزيين الباطل بلباس الحق، وكفى بها مصيبة.

وحكم الكاذب على النبي، قال الإمام أحمد: يفسق وترد شهادته وروايته ولو تاب وحسنت حالته تغليظاً عليه وغالب الكذابين على النبي صلى الله عليه وسلم زنادقة.

وكذلك لا تحل رواية الحديث الموضوع إلا مع تبيين أنه موضوع، قال الإمام النووي: يحرم رواية الحديث الموضوع على كل من عرف كونه موضوعاً أو غلب على ظنه وضعه.

نسأل الله الكريم جل جلاله أن يجنبنا مزالق الشيطان الرجيم، والحمد لله رب العالمين.


1 أخرجه البخاري (5743) ومسلم (2607).

2 رواه أبو داود برقم (4989).

3 رواه مسلم برقم (4).