قراءة الفاتحة وراء الإمام

قراءة الفاتحة وراء الإمـام

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:-

قراءة الفاتحة في الصلاة مما وقع فيه الخلاف بين العلماء، وذلك لورود أحاديث كثيرة، وآثار عن السلف الصالح فيها إيجاب قراءتها، ومنها ما يدل في ظاهره على عدم قراءتها، وإن كان ما استدل به القائلون بعدم الفرضية لا يصح أو أن غاية ما استدلوا به عموميات تخصصها أدلة أخرى واضحة…

ولا نتعرض لهذا الحكم: الإيجاب وعدمه؛ فإن ما يهمنا أن نذكر حكم قراءة الفاتحة للمأموم، وهذا على القول بفرضيتها، وأما من قال إنها سنة، فإن عنده كراهة قراءتها بعد الإمام..

قال الجمهور: إن قراءة الفاتحة فرض من فروض الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بقراءتها لقوله – صلى الله عليه وسلم -: (من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج غير تمام ) متفق عليه، وقال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)متفق عليه. والأدلة كثيرة.. وأما حكم قراءتها للمأموم فقد جرى الخلاف بين الجمهور من العلماء:-

1. فمنهم من قال بوجوب قراءة الفاتحة  على المأموم، سواء كانت الصلاة سرية أم جهرية، للأحاديث المتقدمة وغيرها، وهو قول الشافعي واختاره البخاري والشوكاني…

2. ومنهم من قال بوجوب قراءتها في الصلاة السرية، ولا تجب في الجهرية ولا تستحب؛ لانشغال المأموم بقراءة الإمام؛ ولقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف،  وحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا )رواه مسلم، وهذا في الصلاة.. وغيرها من الأحاديث، وسيأتي بيان مزيد من أدلتهم وتعليلاتهم، وهو القول الذي يوافق مقاصد الشريعة والذي رجحه كثير من العلماء، وهو قول الإمام مالك وأكثر أصحابه، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل وأكثر أصحابه، وإسحاق بن راهويه ورجحه كثير من العلماء المعاصرين، ومنهم الشيخ/ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – كما سيذكر..

3. ومنهم من قال إنه لا يقرأ مطلقاً لا في السرية ولا في الجهرية، وهو قول الأحناف لحديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) والحديث لا يصح. وآثار وردت عن الصحابة.

والذي يترجح من خلال النظر في الأدلة وما ترمي إليه معاني الشريعة، وهو القول الوسط الذي جمع بين طرفي النقيض: القول الثاني الذي فرق بين السرية والجهرية، فتجب في السرية للأدلة الكثيرة الدالة على وجوب قراءتها من حيث العموم، وقد خصص العموم في الجهرية قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في رواية مسلم: (وإذا قرأ – أي الإمام- فأنصتوا). وسنذكر قول الشيخ الألباني في ذلك.

قال الألباني – رحمه الله -: (نسخ القراءة وراء الإمام في الجهرية): وكان – أي النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أجاز للمؤتمين أن يقرؤوا بها- أي الفاتحة- وراء الإمام في الصلاة الجهرية، حيث كان في صلاة الفجر، فقرأ فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)! قلنا: نعم يا رسول الله! قال: (لا تفعلوا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، ثم نهاهم عن القراءة كلها في الجهرية، وذلك حينما انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، وفي رواية أنها صلاة الصبح، فقال: (هل قرأ معي منكم أحد آنفاً؟!) فقال رجل: نعم؛ أنا يا رسول الله! فقال: (إني أقول مالي أنازع؟!) قال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله فيما جهر فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله، وقرؤوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام).

وجعل الإنصات لقراءة الإمام من تمام الائتمام به، فقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا).

كما جعل الاستماع له مغنياً عن القراءة وراءه، فقال:

(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) هذا في الجهرية.. ثم قال – رحمه الله -: (وجوب القراءة في السرية):

وأما في السرية فقد أقرهم على القراءة فيها؛ فقال جابر: (كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب).

وإنما أنكر التشويش عليه بها، وذلك حين صلّى الظهر بأصحابه فقال: (أيكم قرأ (سبح اسم ربك الأعلى)؟!) فقال رجل: أنا ولم أرد بها إلا الخير! فقال: (قد عرفت أن رجلاً خالجنيها). وفي حديث آخر: (كانوا يقرؤون خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – فيجهرون به فقال: (خلطتم عليّ القرآن)، وقال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن).

وكان يقول: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: (الم) حرف؛ ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف و(ميم) حرف). أهـ.

بهذا الاختصار في ذكر الحكم الشرعي في الفاتحة نكتفي. إذن المقصود معرفة كلام العلماء واختلافهم في ذلك، حتى يعرف الإنسان العبادة بدليل وبصيرة من عند الله – تعالى-.. هذا والله أعلم.. وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..