البيع والشراء

البيع والشراء

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن المساجد بيوت الله تعالى وهي من أشرف البقاع وأحبها إلى الله، وأطهرها وأقدسها عنده جل وعلا، فهي لم تبن إلا للصلاة والذكر وقراءة القرآن، وكل ما يرضي الملك العلام، ولذلك فإنه ينبغي أن تصان من كل ما يتنافى مع طهارتها وقداستها، ومن الأمور التي تتنافي مع قداستها  وطهارتها وما لأجله بنيت؛ البيع والشراء في المسجد، سواء كان  البيع بداخله أو فيما يعد منه، فإن المسجد لم يبن للبيع والشراء، والتحدث عن الدنيا، وإنما بُني لعبادة الله – تعالى- وحده لا شريك له؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلق الناس فيه يوم الجمعة قبل الصلاة " 1 . وقال محمد بن مسلمة – رحمه الله-: لا ينبغي لأحدٍ أن يبيع في المسجد ولا يشتري شيئاً حاضراً ولا غائباً. أما الحاضر؛ فإن المساجد ليس بموضع للسلع، ولو جاز ذلك صار المسجد سوقاً، وأما ما ليس بحاضر ؛كالدور والأصول، وبيع الصفة، وأشباه ذلك؛ فلما فيه من اللغط واللغو، وعلى هذا القول دلّ قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} 2. وقال القرطبي – رحمه الله -: وتُصان المساجد أيضًا عن البيع والشراء. ثم ذكر حديث مسلم: " إنما بُنِيَت المَساجد لما بُنِيَتْ له"، وقال: وهذا يدلّ على أن الأصل ألاّ يُعمل في المسجد غير الصلوات، والأذكار، وقراءة القرآن؛ كما جاء منصوصًا عليه من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد 3. وعند الحنابلة أنه يحرم البيع والشراء والإجارة في المسجد، وأنه إن وقع ذلك فإنه باطل. هذا عن حكم البيع والشراء في المسجد في غير وقت الداء لصلاة الجمعة، أما البيع والشراء عند النِّداء لصلاة الجمعة، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}4 . وقد جاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: أن البيعَ عند النِّداء لصلاة الجمعة حرامٌ على من كان مخاطبًا بفرض الجمعة، أمّا مَن لا يجب عليه حضور الجمعة فلا ينهى عن البيع والشراء. ثم ذكر أقوال المذاهب المعتبرة في ذلك، ثم قال: قلت والصّحيح فساده وفسخه- أي فساد وفسخ البيع -؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:" كل عملِ ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ " 5. أي مردود.  والله أعلى وأعلم.


1 – رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الترمذي رقم (265).

2 – النــور36).

3 – تفسير القرطبي (12/269- 270).

4 الجمعة(9).

5 – رواه مسلم. من حديث عائشة.