وجوب تسوية الصفوف في الصلاة وسد الخلل فيها

وجوب تسوية الصفوف في الصلاة وسد الخلل فيها

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم يلاقي ربه ويناجيه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الرسل وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن للصلاة مكانة رفيعة عند الله ورسله والمؤمنين، إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد حث الله المؤمنين على إقامتها في آيات كثيرة منها قوله – تعالى -: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون}1، وقال – تعالى -: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}2، وقال – تعالى -: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سراًَ وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال}3، ومن دعاء خليل الرحمن إبراهيم – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام -: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}4.

وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تؤدى هذه الصلاة في المساجد فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم الحطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))5.

وأمر بأن تسوى الصفوف، ويسد الخلل فيها فعن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ، وَحَاذُوا بين الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ، وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله))6، وعن أبي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ!! قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني؟ قال: إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ!! قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني؟ قال: وَعَلَى الثاني، قال رسول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بين مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، فان الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ يَعْنِى أَوْلاَدَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ))7.

وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يسوي صفوفنا كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم))8.

وعن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: ((خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول، ويتراصون في الصف))9، وعن ابن عمر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أقيموا الصفوف، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشياطين، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله))10، وبوب الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – في كتابه: «باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم», وذلك في الصف، وذكر عدة آثار عن أنس بن مالك – رحمه الله تعالى – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري))11، قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدم صاحبه، وكعبه بكعبه)، وهذا يدل على أن سد الخلل بين الصف، وإلصاق الكعب بالكعب كما يقول ابن حجر12– رحمه الله تعالى – المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف، وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف، والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله))13.

والذي نراه ونلمسه في واقع المسلمين اليوم عدم الاهتمام بهذه الأوامر النبوية، مع أن الواجب علينا جميعاً الأخذ بأوامر هذا الدين الحنيف، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، والحمد لله رب العالمين.

والله أعلم.


1 سورة الروم (31).

2 سورة البينة (5).

3 سورة إبراهيم (31).

4 سورة إبراهيم (40).

5 أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651).

6 أخرجه الإمام أحمد (5691)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (6/14).

7 مسند أحمد بن حنبل (22317)، وضعفه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (1/242).

8 صحيح مسلم (1006).

 9 مسلم (430).

10 سنن أبى داود (666)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (6/14) برقم 2067.

11 صحيح البخاري (719).

12 فتح الباري لابن حجر (2/211).

13 تقدم تخريجه.