تحية المسجد والمؤذن يؤذن

تحية المسجد والمؤذن يؤذن

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ذلك الفضل من الله وكفى بالله وكيلا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فكثيراً ما يتسائل الناس عن حكم صلاة التحية للمسجد قبل الأذان لاسيما قبل أذان المغرب بوقت قليل، فيقولون: هل نصلي تحية المسجد ؟ أم نجلس في انتظار الأذان ؟ أم ننتظر الأذان وقوفاً عملاً بالحديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي))1؟

والجواب:

بعد الحمد والثناء: اعلم أنه قد اختلف العلماء في جواز فعل الصلوات ذوات الأسباب كـ" تحية المسجد" أو " صلاة الكسوف " و " الجنازة " و" قضاء الفائتة " في أوقات النَّهْي، فذهبت المالكية والحنفية والحنابلة: إلى المنع من ذلك؛ لأحاديث النَّهْي. كحديث (( لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس))2

قال: في الفواكه الدواني: " فالحاصل أن تحية المسجد لها ثلاثة شروط: أن يدخل على طهارة، وأن يكون مراده الجلوس في المسجد، وأن يكون الوقت وقت جواز " أي لا تكره فيه الصلاة، وذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – خلافاً للجمهور إلى أنه لا تكره الصلاة في الأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها إذا كان لها سبب متقدم أو مقارن وبشرط أن لا يكون قاصداً للصلاة في هذه الأوقات، أي أن لا يدخل المسجد بقصد أداء ركعتي التحية فقط، وقال: الإمام النووي – رحمه الله – "وتكره الصلاة عند الاستواء إلا يوم الجمعة، وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح، والعصر حتى تغرب إلا لسبب، كفائتة، وكسوف، وتحية، وسجدة شكر وإلا في حرم مكة على الصحيح"3.

وذلك استدلالاً بحديث النبي – صلى  الله عليه وسلم – ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))4، وعلى هذا فإن دخلت إلى المسجد قبل أذان المغرب، فلا حرج عليك أن تصلي تحية المسجد، ما لم تجلس؛ لأن صلاة التحية تفوت بالجلوس عند الشافعية، قال البيجرمي في حاشيته على الخطيب:" وتفوت بجلوسه قبل فعلها، وإن قصر الفصل إلا إن جلس سهواً وقصر الفصل، وتفوت بطول الوقوف "وإن شرع المؤذن في الأذان أو قرب وقته، فالأفضل أن تقف وتردد الأذان ثم تصلي جمعاً بين الفضيلتين، وإن جلست قبل أداء تحية المسجد فلا حرمة في ذلك، فالنهي عن الجلوس قبل أدائها محمول على الكراهة التنزيهية فقط، كما قال الإمام النووي …. وغيره، وإن فاتتك التحية فعليك بما ذكره الصاوي في حاشيته على الكبير:" ذكر سيدي أحمد زروق عن الغزالي – رحمهما الله تعالى – … وغيره أن من قال : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " أربع مرات قامت مقام التحية، فينبغي استعمالها في وقت النهي أو في أوقات الجواز إذا كان غير متوضئ، وأما إذا كان في أوقات الجواز وهو متوضئ فلا بد من الركعتين "

وقال: البيجرمي في حاشيته على الخطيب: " ويندب لمن لم يأت بالتحية لحدث أو غيره كأن لم يردها وإن كان متطهراً أو اشتغل بشيء آخر أن يقول أربع مرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وزاد بعضهم : ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنها تعدل "ركعتين في الفضل فتندفع الكراهة بذلك "

وخلاصة الجواب: عليك أن تنتظر أذان المغرب ولا تصل تحية المسجد في وقت النهي وفقاً لرأي السادة المالكية والحنفية خلافاً للسادة الشافعية. والله أعلم.5

و قد سئل الشيخ مشهور حسن آل سلمان فقال السائل: هل أصـلي تحية المسجد أم استمع للأذان؟

فأجاب: متى استطعنا أن نجمع جميع الطاعات فهذا حسن فإن تزاحمت طاعتان في وقت واحد، فالإنسان يفعل الأعلى والأغلى ويترك الأدنى، فإذا دخل الإنسان والمؤذن يؤذن وأقل وقت بين الأذان والإقامة هو بين المغرب والعشاء خمس دقائق فيبقى واقف ولا يجلس حتى لا يخالف أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيردد مع الأذان ومن ردد مع الأذان ثم صلى على النبي – صلى  – ثم قال: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته"وجبت له شفاعة النبي –- صلى الله عليه وسلم-  يوم القيامة، فنقول له ردد مع الأذان ثم صل تحية المسجد، جمعاً بين الطاعات، لكن لو أن رجلاً دخل المسجد والإمام على المنبر والمؤذن يؤذن للجمعة نقول له ابدأ بالصلاة ولا تردد مع الأذان؛ لأن الترداد مع الأذان سنة، والاستماع إلى خطبة الجمعة واجب، وهو بين أمرين: إما أن يصلي تحية المسجد والإمام يخطب، وإما أن يصليها والمؤذن يؤذن، والخطبة هي الأعلى والأغلى؛ لأنها فريضة والترداد سنة، فمن الشائع عند الكثير من الناس اليوم لما يدخلون والإمام على المنبر والمؤذن يؤذن يبقى واقفاً يردد مع

الأذان فلما يبدأ الإمام بالخطبة يصلي تحية المسجد، وهذا خط6، كما سئل الشيخ: عبد الله الفقيه: عن الدخول إلى لمسجد في يوم الجمعة والمؤذن ينادي للصلاة النداء الثاني أيهما أولى، متابعة المؤذن، أم أداء تحية المسجد؟ حيث أستطيع متابعة الخطبة من بدايتها … والله الموفق والهادي؟

فأجاب بعد الحمد والثناء قائلاً: إذا دخلت إلى المسجد يوم الجمعة والمؤذن في النداء الثاني فصل ركعتين خفيفتين تحية المسجد، واجلس حتى ولو كان المؤذن يؤذن، لأن المقصود الأهم هو خطبة الجمعة، ومتابعة المؤذن سنة، ثم اعلم بارك الله فيك أن التقصير في المبادرة إلى الجمعة يفوت خيرا عظيما اختص به هذا اليوم المبارك في هذا الوقت المبارك، فقد ورد في الأحاديث الصحاح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – الحث على التبكير لأداء صلاة الجمعة، وأنه من راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر طوت الملائكة الصحف – ولم ترفع أسماء الذين يحضروا إلى الجمعة بعد هذا الوقت، فاحرص على الخير وسارع إليه، بارك الله فيك، والله أعلم7

اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل.

والحمد لله رب العالمين.


1 – رواه البخاري برقم (1110).

2 – أخرجه البخاري برقم ( 561).

3 –  المنهاج (ج1/ ص22 ) .

4 – رواه البخاري برقم (1110).

5 – الموقع الإلكتروني للمركز الرسمي للإفتاء بدولة الإمارات العربية المتحدة http://www.awqaf.ae

   http://www.almenhaj.net  6 .

7 – المفتـــي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه.