المسجد والعلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد المبعوث رحمة للعاملين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الإسلام قد دعا إلى التزود بالعلم وإلى النظر والتفكر والتدبر، في ظواهر الحياة المختلفة، وفي آيات الله الكونية، وفي آيات الله المنزلة بالوحي، وقد رفع الله شأن العلم والعلماء، فأول ما أنزل الله -عز وجل-: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) العلق: 1-5 ، فهذه الآيات التي نزل بها الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- افتتحت بالأمر بالقراءة التي هي أثر للتعلم.
وقال تعالى في رفع شأن العلماء: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)) الزمر: 9 ، وقال: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) المجادلة: 11 ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)( 1 ).
وقد كان المسجد منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المعهد الذي تُلقى فيه دروس العلم ويتخرجُ منه العلماء، والدعاة، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم الناس في المسجد، روى البخاري في كتاب العلم، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله، فأما أحدهما فرأى فُرْجةً في الحَلْقة فجلس فيها، وأما الآخرُ فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، أما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)( 2 ).
وقد استمرت هذه الوظيفة التعليمية للمساجد منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا على الرغم من كثرة المدارس والمؤسسات التعليمية.
فينبغي أن لا يهمل جانب المسجد ويكتفى بالمؤسسات التعليمية، فدروس المسجد فيها بركة عظيمة، ونفها أكبر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)( 3 ).
وينبغي أن تكون في هذه المساجد الدروس العلمية المستمرة من قبل العلماء والدعاة، وتكون هذه الدروس على مستويين: مستوى عام، ومستوى خاص:
فالمستوى الأول للعامة الذين تشغلهم أعمالهم وحرفهم فلا يتفرغون للعلم، فتعقد لهم دروس وقتها قصير إما بعد الصلوات أو بين مغرب وعشاء، وتكون مواضيع الدروس شاملة لأمور الدين، وعلى ما تدعو إليه الحاجة من تعليهم أمور دينهم.
أما المستوى الثاني فهم طلبة العلم المتفرغون للعلم، وهؤلاء يتدرج معهم في العلوم من بسيطها إلى معقدها ومن صغيرها إلى كبيرها، حتى يستفيدوا ويبلغوا درجة من العلم تمكنهم من نشره.
ولما كان انعقاد المجالس العلمية في المساجد، وما يقوم به العلماء من التدريس فيها فقد تخرج منها أئمة أعلام كان لهم أثر بالغ في حياة المسلمين( 4 )، فالمساجد دورها عظيم ووظيفتها كبيرة، فينبغي أن يغتنمها المسلمون ولا يهملوها.
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويزدنا علماً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالين.