زيارة تاركي صلاة الجماعة
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، ومن بعدهم العلماء والدعاة المخلصين، وطلبة العلم العاملين، وهي كذلك مسؤولية جميع المسلمين، كل بحسب قدرته واستطاعته، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}1 . والدعوة إلى الله ليست محصورة على الخطيب في الخطبة، أو على المعلم في المعهد أو الجامعة أو المدرسة أو المسجد، وإنما الدعوة لها وسائل أخرى، منها هدية الكتاب المفيد، والشريط النافع، والمطوية المختصرة، والزيارات الميدانية، وغير ذلك من وسائل الدعوة.
وحديثي في هذه السطور يكمن حول وسيلة واحدة من وسائل الدعوة إلى الله، وهي الزيارة.
إنَّ زيارة المفرطين عن أداء صلاة الجماعة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله،وهي أنفع وسيلة للوصول إليهم.
فليتجه معشر الدعاة إلى الله إلى هذه الوسيلة المهمة، وليقوموا بدعوة تلك الفئام من الناس وليحذروهم مما حذرهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- إياه، وليخبروهم بأن التهاون بالصلاة منكر عظيم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ” لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار “ 2 . وليذكروهم بالله، وبعظمته، وبنعمه وآلائه على خلقه، وليسمعوهم قول النبي ﷺ : ” من سمع المنادي فلم يمنعه من إتباعه عذر ” قالوا وما العذر؟ قال: ” خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى “ 3 . وإذا ذهبوا إلى أولئك المفرطين والمتهاونين بصلاة الجماعة فليذهبوا ملتزمين بآداب وأحكام الزيارة المعروفة، وأن يتحلوا بالحلم والصبر، وأن يخلصوا العمل لله – تعالى -، وليصطحبوا معهم الرسالة القيمة التي وجهها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – إلى المتهاونين بالصلاة مع الجماعة، وليقموا بطبعها وتوزيعها، لعلَّ الله أن ينفع بها، والتي يقول سماحته فيها: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه، ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد :
فقد بلغني أن كثيراً من الناس قد يتهاونون بأداء الصلاة في الجماعة، ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك، فوجب عليَّ أن أبين عظم الأمر وخطورته، ولا شك أنَّ ذلك منكر عظيم، وخطره جسيم، فالواجب على أهل العلم التنبيه على ذلك، والتحذير منه لكونه منكرا ظاهرا لا يجوز السكوت عليه.
ومن المعلوم أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمر عظم الله شأنه في كتابه العظيم،وعظم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظم شأنها، وأمر بالمحافظةعليها وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه المبين : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَىوَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}4 . وكيف يعرف الناس محافظة العبد عليها، وتعظيمه لها، وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه وتهاون بشأنها، وقال تعالى : {وَأَقِيمُواْالصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} 5 . وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه : {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال تعالى : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } 6 فأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة في حال الحرب وشدة الخوف، فكيف بحال السلم؟ ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك، علم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات؛ وأنه لا يجوز لأحد التخلف عن ذلك.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ” لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ” الحديث. وفي مسند الإمام أحمد عنهﷺ أنه قال: ” لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم “. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض،ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وقال: إن رسول الله ﷺ علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه،وفيه أيضا عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهنَّ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي ﷺ : ” هل تسمع النداء بالصلاةة؟”. قال: نعم. قال: ” ” . وصح عنه ﷺ أنه قال: ” من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرر ” . قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال : خوف أو مرض .
والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كثيرة جدا، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالا لأمر الله ورسوله، وحذرا مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق الذين وصفهم الله بصفات ذميمة من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} 7 . ولأن التخلف عن أدائها في الجماعة من أعظم أسباب تركها بالكلية، ومعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال، وخروج عن دائرة الإسلام، لقول النبي ﷺ : ” بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة “خرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه. وقال ﷺ : ” العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفرر” رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح. والله الموفق.