احذروا الابتداع في الدين

احذروا الابتداع في الدين

 

الحمد لله القائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ}1، والقائل سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}2، والصلاة والسلام على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – القائل: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))3، أما بعد:

نعلم جميعاً أن من أكبر نعم الله علينا أن أكمل لنا ديننا فجعله غير محتاج إلى زيادة، ورضي لعباده وخلقه أن يعبدوه به فقال – تعالى -: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ4، ثم نهاهم عن الابتداع والزيادة فيه بما لم يشرع الله – تعالى – ورسوله – صلى الله عليه وسلم -..

والبدعة هي كما عرفها الإمام الشاطبي – رحمه الله -: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"5 وتكلم عن خطرها أئمة الهدى وحذروا منها فقد قال إمام دار الهجرة الإمام مالك – رحمه الله -: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}6، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً"، وسئل سفيان الثوري عن الكلام فقال: "دع الباطل، أين أنت من الحق؟ اتبع السنة، ودع البدعة"، وقال – رحمه الله -: "وجدت الأمر بالاتباع"7، وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بهم، وترك البدعة، وكل بدعة ضلالة"8.

وبكل ما سبق نعلم خطورة الابتداع في دين الله – تعالى -؛ إذ أن له في الدين آثار عظيمة، ومخاطر جسيمة؛ تعود على الفرد، بل المجتمع كله، ومن تلك المخاطر:

1 – أن عمل المبتدع مردود عليه لحديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد9..

2 – أن المبتدع تحجب عنه التوبة ما دام مصراً على بدعته: لما رواه أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حجز أو قال حجب التوبة عن كل صاحب بدعة))10.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "فإن كثيراً من الناس إذا ذكرت التوبة والاستغفار؛ يستشعر قبائح قد فعلها، فعلم بالعلم العام أنها قبيحة: كالفاحشة والظلم الظاهر، فأما ما قد يتخذ ديناً فلا يعلم أنه ذنب إلا من علم أنه باطل، كدين المشركين وأهل الكتاب المبدل فإنه مما تجب التوبة والاستغفار منه، وأهله يحسبون أنهم على هدى، وكذلك البدع كلها، ولهذا قال طائفة من السلف – منهم الثوري -: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها، وهذا معنى ما روي عن طائفة أنهم قالوا: "إن الله حجز التوبة على كل صاحب بدعة"11.

3 – صاحب البدعة موعود بالطرد والإبعاد عن حوض النبي – صلى الله عليه وسلم -: فعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (()))12.

4 – يتحمل المبتدع إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة: فعن جر ير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: ((من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))13.

5 – البدعة تميت السنة: لأنَّه ما ظهرت بدعة إلا وماتت سنة من السنن فإن البدعة لا تظهر وتشيع إلا بعد تخلي الناس عن السنة الصحيحة، وظهور البدع علامة دالَّة على ترك السنة قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع، وتموت السنن"14.

6 – البدعة تُدخِل صاحبها في اللعنة: ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنه قال فيمن أحدث في المدينة: ((من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً؛ فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"15 قال الإمام الشاطبي – رحمه الله -: "وهذا الحديث في سياق العموم، فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع، والبدع من أقبح الحدث"16.

7 – صاحب البدعة يفرق الأمة والمسلمين، ويوجد بسبب ذلك أحزاباً وشيعاً متفرقة قال الله – عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}17.

9- وصاحب البدعة أكثر من يقع في الفتن قال الله – تعالى -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}18، وهل هناك فتنة أخطر من مخالفة سنة رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -، وعصيان أمره، وإحداث شيء في الدين لم يشرعه الله ورسوله – صلى  الله عليه وسلم -.

نسأل الله – تعالى – أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب عمل يقربنا إليه، ويرزقنا اتباع سنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -، اللهم جنبنا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا البدع وأهلها والوقوع فيها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


1 المائدة (3).

2 الأنعام (153).

3 رواه البخاري برقم (2550)، ومسلم برقم (1718) من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -.

4 سورة آل عمران (19).

5 كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي (1/37).

6 المائدة (3).

7 شرح السنة للإمام البغوي (1/217).

8 أصول السنة للإمام أحمد (1/14).

9 رواه البخاري برقم (2550)، ومسلم برقم (1718).

10 المعجم الأوسط للطبراني (4/281)، وقال الألباني: وإسناده حسن، والسنة لابن أبي عاصم (1/21).

11 مجموع الفتاوى (11/684).

12 رواه البخاري برقم (6211)، ومسلم برقم (2304).

13 رواه مسلم برقم (1017).

14 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (1/92)، والسنة للمروزي (1/32).

15 رواه البخاري برقم (1771)، ومسلم برقم (1370).

16 الاعتصام للإمام الشاطبي (1/72).

17 الأنعام (159).

18 النور (63).