حماقات

 

 

حماقات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

لو تخيلنا إنساناً يملك متجراً كبيراً يحتوى على بضائع، ولما حان موسم التسوق كأيام الأعياد، والمناسبات ونحوها، وأصبح إقبال الناس على السوق كبير؛ إذا به يغلق المتجر، وينقطع عن مزاولة التجارة، فلما انقضى هذا الموسم رجع وفتح المتجر، وعاد إلى مزاولة التجارة في وقت غير موسم التسوق، فماذا سيتحدث عنه الناس؟ وماذا سيقولون؟

من الطبيعي أن يقول كثير من الناس أن هذا الرجل أحمق، لا يعرف مصلحة نفسه، ولا أين مكمن المصلحة، وأنه لم يستغل الفرص التي أتيحت أمامه.

وهذا هو حال البعض من المسلمين الذين إذا دخلت المواسم، والنفحات الإلهية الربانية التي تدور مع دوران العام؛ لم يستغلوها، ولم يتعرضوا لهذه النفحات الإلهية، وهذه المواسم التي هي على مدار العام لو استعرضناها لوجدناها كثيرة، فما يكاد العبد يخرج من موسم طاعة إلا ويستقبله آخر، ولوجدنا أن أعمالها يسيرة سهلة إلا أن أجرها عظيمكبير، ومن هذه المواسم:

1) شهر محرم: فالأعمال في هذا الشهر من أفضل الأعمال، ومن فضل شهر المحرم أن رسول الله   أضافه إلى الله ​​​​​​​  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ))1 وفي هذا الحديث دليل على فضل صيام شهر الله المحرم، وأن صيامه يلي شهر رمضان في الأفضلية، والصيام من أفضل الأعمال عند الله – تعالى -، وقد أضاف الله – تعالى -هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً للشهر، فمن الحمق أن يضيع العبد هذا الفضل.

2) يوم عاشوراء: ويدل على فضل شهر محرم أن فيه يوم عاشوراء الذي يذكر النبي   فضله في حديث أَبِي قَتَادَةَ   قال: قال رسول الله  : ((وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ))2،ومن الحمق أن يخالط العبد هذا اليوم بنوع من البدع والشركيات، والخروج بهذه الشعيرة من منحناها الشرعي إلى المنحنى البدعي الشركي.

3) شهر شعبان: وهذا الشهر العظيم يغفل عنه الكثير من الناس كما جاء عن أسامة بن زيد   قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))3، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان؛ فيحسن أن يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من صيام،ومن الحماقة أن ترتفع الأعمال إلى الله ​​​​​​​  وصاحبها واقع في إثم أو معصية،وهذا حال كثير من أبناء المسلمين – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم -.

4) شهر رمضان: والكل يعلم ما لشهر رمضان من الفضل والأجر الكبير، فيكفي أنه شهر أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}4، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}5،لكن للأسف الشديد أننا نرى الكثير من أبناء المسلمين يخلط هذا الشهر المبارك بمعصية، ولا يستغل أوقاته ولحظاته، بل ويعتقد أن الله لم يفترض عليه الطاعة إلا في النهار فقط، فإذا أفطر أحل له كل شيء مما يسخط الله ​​​​​​​ ، وبمجرد أن يفطر ينقلب حاله مما كان عليه قبل الإفطار، وما أشد هذا الحمق.

5) ست شوال: للست من شوال فضل كبير، وأجر عظيم، فقد تحدث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عن فضلها فقال: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ))6،وللأسف الشديد أن كثيراً من أبناء المسلمين اليوم بمجرد أن ينتهي رمضان يخلع عنه كل ما كان منه في رمضان، بل يبدأ من يوم العيد بمعصية الله ​​​​​​​  بالأغاني الماجنة، وكأن العيد لن يصلح إلا بهذه الأغاني، بل كأن عليه أي يقضي ما فاته من سماع الأغاني في رمضان – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم -، فأي حمق أشد من هذا، وأي غباء أعظم من هذا.

6) عشر ذي الحجة: ورد في فضل عشر ذي الحجة نصوص كثيرة منها: أن الله ​​​​​​​  أقسم بها، وإذا أقسم الله بشيء دلَّ ذلك على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، وأنها هي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره – تبارك وتعالى -، وشهد رسول الله   بأنها أفضل أيام الدنيا، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر،وقد اجتمعت في هذه الأيام أمهات العبادة، إلا أن الكثير يضيع هذا الباب من الأجر،ولا يلتفت إليه، بل يصل الحال بالبعض إلى أن يتجرأ فيعصي الله ​​​​​​​  في هذه الأيام.

ومن فضل الله – تبارك وتعالى – ورحمته بعباده أن جعل لهم هذه المواسم، والفرص؛للتوبة، والإنابة، والرجوع إليه، وكل هذا ليدوم الاتصال بالله – تبارك وتعالى -، وليكثر العبد من التوبة، والإنابة، وليرجع إلى الله وهو خالص من الذنوب، ومن الحمق أن يبتعد العبد عن هذا الباب فلا يستغل هذه الفرص الربانية بالطاعة، والتوبة، والرجوع إلى الله ​​​​​​​ ، وليس بعد هذه الحماقة من حماقة.

نسأل الله ​​​​​​​  أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


 


1 صحيح مسلم (1982).

2 صحيح مسلم (1982).

3 رواه النسائي (2317)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (6/1).

4 سورة البقرة (185).

5 سورة القدر (1-4).

6 مسلم (1984).