لك أجر ما أدركت

لك أجر ما أدركت

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن المحافظة على الجماعة في المسجد من أفضل الأعمال التي ينبغي للمسلم ألا يفوته فضلها، ومن أدرك الإمام في التشهد الأخير أو قبل أن يسلِّم؛ فهو مدركٌ لفضيلة الجماعة، وتُحتَسَب له الجماعة؛ وهو قول أبي حنيفة، والمشهور من مذهب الشافعي، ونص عليه الحنابلة، وذهب مالك إلى أنه لا يكون مدركاً إلا بإدراك ركعة كاملة، واحتج بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة  عن النبي أنه قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة1، ويستند الجمهور إلى حديث أبي قتادة  قال: قال رسول الله  : إذا أتيتم الصلاة؛ فعليكم بالسكينة؛ فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا2، وحديث أبي هريرة  عن النبي  قال: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا؛ فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا3، قال أبو محمد بن حزم: “فهذا عموم لما أدركه المرء من الصلاة قلَّ أم كَثُر، وهذان الخبران زائدان على الخبر الذي فيه: من أدرك من الصلاة مع الإمام ركعة؛ فقد أدرك الصلاة، ولا يحل ترك الأخذ بالزيادة، وروينا عن ابن مسعود: أنه أدرك قوماً جلوساً في آخر صلاتهم فقال: أدركتم إن شاء الله، وعن شقيق بن سلمة: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة، وعن الحسن قال: إذا أدركهم سجوداً سجد معهم، وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إن سمع الإقامة أو الأذان وهو يصلى المكتوبة أيقطع صلاته ويأتي الجماعة؟ قال: إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئاً فنعم”، ومما يقوِّي هذا المذهب أن النبي  جعل إدراك فضل الجماعة يتوقف على السعي لها بوجهه، ولا يُقَصِّر في ذلك سواء أدركها أم لا؛ فقد روى النسائي عن أبي هريرة  عن رسول الله  قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامداً إلى المسجد؛ فوجد الناس قد صلوا؛ كتب الله له مثل أجر من حضرها، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً4، فالمؤمن يُثاب على مجرد النية إذا حبسه عن العمل عذر، وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن هذا فقال السائل:  إذا أدركت صلاة الجماعة وهم في التشهد الأخير فهل أكون بهذا قد أدركت فضل صلاة الجماعة، أم يجب علي انتظار بعض المصلين المتأخرين لنصلي جماعة؛ ليتم لنا فضل صلاة الجماعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

فأجاب قائلاً: يقول النبي  في الحديث الصحيح: لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا فقوله: ما أدركتم فصلوا يعم من أدرك الإمام في التشهد، ولكن لا تدرك الجماعة إلا بركعة لقوله  : من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة فهي تدرك بركعة الجماعة، ولكن إذا كان معذوراً حين تأخر يكون له فضل الجماعة ولو ما أدركها بالكلية، إذا تأخر عن عذر شرعي كقضاء حاجة الإنسان لما أراد الذهاب إلى المسجد نزل به حاجة الإنسان من بول أو غائط؛ فتأخر من أجل ذلك، أو غير ذلك من الأعذار الشرعية؛ فله فضل الجماعة، ولكن لا تدرك الجماعة بغير عذر في إدراك التشهد، ولكن بركعة فأكثر، وإذا كانوا جماعة وصلوا وحدهم فلا بأس، وإن دخلوا مع الإمام في التشهد فلا بأس، والأمر واسع، إن دخلوا معه لعموم قوله: ما أدركتم فصلوا فلا بأس، وإن صلوا وحدهم لأن الصلاة ما بقي منها إلا التشهد فلا حرج – إن شاء الله -.

اللهم علمنا ماينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً.

والحمد لله رب العالمين.


1– رواه البخاري برقم (555) ومسلم برقم ( 607).

2– رواه البخاري برقم (866) ومسلم برقم ( 602).

3– المرجع السابق.

4– رواه النسائي برقم (855) وصححه الألباني.