آثار تسرب الطلاب من الحلقات

آثار تسرب الطلاب من الحلقات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

يشتكي كثير من المربين ومدرسي تحفيظ القرآن الكريم من ظاهرة مزعجة، وآفة من الآفات التي تعاني مدارس تحفيظ القرآن الكريم منها، وهي ظاهرة تسرب الطلاب من حلقات التحفيظ وغيابهم. وهي ظاهرة قد لا تخلو حلقة ولا مدرسة إلا وهي تعاني من النتائج السلبية لهذه الظاهرة فهي ظاهرة خطرها عظيم ونتائجها جسيمة وتنذر بضياع الجهد..

وظاهرة التسرب تشمل التأخر الذي يخل، والغياب الذي لم يسبقه إذن، والانقطاع بغير عذر، كما أن دواعي التسرب قد تكون لأسباب عدة، فبعضها قد يدخل في دائرة عمل المعلم فينعكس على الطالب بالصدود والنفور عن الحلقة، وبعضها قد يدخل في دائرة ولي الأمر وضعف اهتمامه بابنه كأن يشغله بعمل وقت دوام الحلقة، وبعضها قد يدخل في دائرة الطالب ورغبته الصادقة في حفظ القرآن، فتعتريه زهادة تبعده ولعب يلهيه، وهذه العوارض والأسباب بغير عذر ولا استئذان هي محل الدراسة والبحث.

آثار هذه الظاهرة على الحلقات:

لظاهرة التسرب تأثير بالغ على جميع محاور العملية التعليمية في الحلقة القرآنية، فظاهرة التسرب تؤثر إلى حدّ بعيد على الطالب أولاً، وعلى المعلم ثانياً، وعلى بقية طلبة الحلقة ثالثاً، وعلى المستوى العلمي والصورة المُشرِّفة للحلقة رابعاً، فهذه ظاهرة تنبئ بضياع الجهد، وشتات الأمر والبعد عن الهدف المنشود. وعموماً فالحلقة التي أصيبت بهذا الداء وانتشر فيها بنسبة عالية تجدها حلقة قليلة التخريج للطلاب الحافظين؛ لأن التسرب يقضي على نسبة كبيرة من الطلاب قبل الوصول للهدف المرجو 1.

آثارها على الطالب:

هذه الظاهرة مدعاة للكسل والدعة، والميول إلى الخمول والنفس توّاقة لهذا الشيء، فإن لم يجد الطالب من يوعَّيه وينبهه ويزجره، ويستخدم كل الوسائل التي قد تعمل على استقامته؛ عادت نفسه للتسرب المرّة تلو المرّة بنيّة التسويف وعدم الكرّة، وضاع بذلك جهد المعلم، وعاد الطالب من التحفيظ كما دخل أول مرّة.

فكم من هِمـّة قد تبددت لديه! وكم من غمٍ قد انعكس عليه! فتغيرت نفسيته وجعلت من الفشل عنواناً، وضياع الوقت مهنة قد تأصلت فساءت بذلك أخلاقه، وازدادت أذيته وعمّت من بعد ذلك بليته.

فهذه نصيحة لمعلم كلام الرحمن: "إن لم يشغل المعلم الطالب بالقرآن أشغله الطالب بما يوزع إليه الشيطان"

أثرها على المعلم:

لعل أعظم أثر على المعلم من هذه الظاهرة هو: أن يصيبه الإحباط بعدما رأى تلميذه الذي تعب عليه قد تركه من غير أن يحتاط لهذا الترك، وربما استعان به في تعليم الصغار وقد قطع معه شوطاً في حفظ القرآن.

وكم من معلم قد تبددت آماله، وقلّ جهده وقلَّ عطاؤه، بعدما رأى ذلك يتكرر مع الطلاب، وقد كانوا له أزهاراً يحملون في تقدمهم أملاً لختم القرآن، فأصبحت مسيرتهم مع التسرب معروفة، وجهود المعلم معهم مطمورة، فماذا عسى أن تكون نفسيته عندما يأتي كل معلم بما قد أنتج من الطلاب، وهذا المعلم لم يجد من طلبته من يجتاز الاختبار، بل كيف يمكن للمعلم أن يُقيِّم جهده وعمله وكلّ ما بذله في طلبته وقد تركوا حفظ القرآن؟.

 أثرها على مستوى الطلاب:

 لقد أصبح المتسرب مثالاً يحتذى، ومعروفاً بذلك ويقتدى، فكم من طالبٍ لا يعرف التسرب، فبعد أن تعرف على صاحبنا شجعه بأسلوب ظريف، وزيّن له هذا المسلك، وأوصاه بذلك عند كل ضيق وفرصة حتى لا يهلك! فشاع التسرب في الحلقة.

أثرها على المستوى العلمي والصورة المشرّفة للحلقة:

فلا شك أنها ستكون سيئة للغاية، وذلك عندما ننظر إلى النتائج في نهاية الفصل الدراسي أو العام الدراسي.  فالواقع أنه قد تسرب فريق من الطلاب من غير ما تأنيبٍ، ولا همة عند البقية ولا تثريب، فهذا الداء جدّ خطير، وعاد الطلاب إلى ذويهم وأهليهم وقد نقلوا أفكاراً سيئة، وصوراً عن التحفيظ خاطئة، وزعموا بأن ذلك هو الحاصل في حلقات القرآن، وما ذلك إلا لوجود ظاهرة التسرب.

هذه أبرز آثار هذه الظاهرة السيئة ولعلنا نذكر في درس آخر -إن شاء الله- الأسباب والعلاج، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.2


 1 انظر مذكرة المدرسين ص 3.

2 هذا المقال مستفاد من موقع صيد الفوائد بتصرف.