هل أنت مستعد

هل أنت مستعد؟

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا منصهراً في زخرفها ومتاعها، حتى يصل الحال إلى أن ينسى هذا المسكين أنه سيصل لأجل محدود، ووقت معدود، وأنه لا بد من النهاية التي لا مفر منها ألا وهي الخروج من هذه الدنيا، وهذه والله هي أكبر الآفات المتفشية في أوساط الغالبية العظمى من الناس بل أوساط المجتمع المسلم – إلا من رحم الله عز وجل -؛ أعني اللهو في الدنيا، والانشغال بزخرفها دون أن ينظروا إلى العواقب من وراء هذا.

وكثير من الناس – إن لم نقل الكل – إذا ما عُرض عليه أمر، أو صفقة، أو مقابلة هامة مع مسئول؛ فإنه يستعد لها أتم الاستعداد، ويتجهز بأفضل ما لديه من الثياب الحسنة، والعطر الجميل، والمظهر اللائق، وما إن يأتي الموعد حتى يكون هذا الشخص على أتم الاستعداد له، فإذا ما سُئِلَ: هل أنت مستعد لهذا الموعد؟ تراه يجيب بكل ثقة بالإيجاب، وهذا السؤال يطرح نفسه في كل جوانب الحياة، حتى إنه ليطرح نفسه في جانب غفل عنه الكثير من الناس، ولم يرعوا له أي اهتمام، وهذا الجانب هو جانب انقطاع العبد من الدنيا وزينتها وزخرفها، وانتقاله إلى الموت، وحياة البرزخ، والبعث والنشور، والحساب والعرض على الله – عز وجل -، ثم الجنة أو النار.

أخي المسلم:

تخيل أنك الآن في بيتك وبين أولادك، وفجأة نزل عليك ملك الموت ليقبض روحك، فهل أنت مستعد للموت؟، وهل أنت مستعد لأن تقبض روحك وتدخل القبر؟ وماذا ستكون آخر كلمة تنطقها أهي لا اله إلا الله أم ستكون كلمة أخرى؟ هل ستكون ممن قال الله – عز وجل – فيهم: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}1، أم ممن قال الله فيهم: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} فيكون الرد القاسي من رب العزة والجبروت: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}2، هل أنت بالفعل مستعد لملاقاة الله – تبارك وتعالى -؟.

وأنا على يقين أن هذا السؤال لو طرح على الكثير من أبناء المسلمين اليوم لأجاب الأغلبية العظمى بالنفي، وعدم الاستعداد لهذا الموقف الذي لا محيد عنه، ولا مهرب من دخوله؛ رغم كونه محققاً.

والإنسان العاقل لا بد أن يستعد للأمر الذي يعلم متى سيقع، لكن الأمر الأشد والأعظم أهمية هو أن يستعد للأمر المتأكَّد من حدوثه، والذي لا يدري متى سيقع؟

وإن الموت والحياة نعمتان أنعم الله – سبحانه وتعالى – علينا بهما، حياة للعمل، وموت للجزاء والحساب، فأين نحن منهما؟ ولو سئلت عن حياتك التي تعيشها الآن كيف تعيشها؟ وهل هي عيشة الطائعين المخبتين لرب العالمين، أم عيشة التائهين الضائعين الهاربين عن طاعة أرحم الراحمين؟ فماذا سيكون جوابك؟، ثم إن سُئِلتَ عن موتك وهل أنت مستعد له فماذا يا ترى سيكون جوابك؟

ولنتأمل جميعاً الحديث الذي رواه البراء بن عازب – رضي الله عنه – حيث قال: ((خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، قال: فقعدنا حول النبي – صلى الله عليه وسلم – فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ثم قال: إن الرجل المسلم إذا كان في القبر من الآخرة، وانقطاع من الدنيا؛ جاء ملك الموت فقعد عند رأسه، وينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس، معهم أكفان من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيقعدون منه مد البصر، قال: فيقول ملك الموت: أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فلا يتركونها في يده طرفة عين، فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون بها على جند من ملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه، فإذا انتهى إلى السماء فتحت له أبواب السماء، ثم يشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي إلى السماء السابعة، ثم يقال: اكتبوا كتابه في عليين، ثم يقال: ارجعوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم إني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فترد روحه إلى جسده، فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: الله، فيقولون: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ قال: فيقول رسول الله، قال: فيقولون: وما يدريك؟ قال: فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدَّقت، قال: فينادي مناد من السماء أن صدق فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وأروه منزله من الجنة، قال: ويمد له في قبره، ويأتيه روح الجنة وريحها، قال: فيفعل ذلك به، ويمثل له رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك وجه يبشر بالخير؟ قال: فيقول: أنا عملك الصالح، قال: فهو يقول: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي، ثم قرأ: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}، وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة، وانقطاع من الدنيا؛ أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه، وينزل الملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب، قال: فيقومون إليه فلا يدعونها في يده طرفة عين، فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ قال: فيقولون فلان بأقبح أسمائه قال: فإذا انتهى به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات قال: ويقال: اكتبوا كتابه في سجين، قال: ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى بروحه حتى تقع في جسده قال: ثم قرأ {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}3 قال: فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وأروه منزله من النار، فيضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال: ويأتيه ريحها وحرها قال: فيفعل به ذلك، ويمثل له رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، قال: فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يبشر بالشر، قال: فيقول: أنا عملك الخبيث، قال: وهو يقول: رب لا تقم الساعة))4.

أخي:

تأمل هذا الحديث جيداً، وأمعن النظر فيه، ودقق في كلماته وهدفه.

أعلم أنك تستطيع أن تقول الآن: "لا إله إلا الله" مئات المرات، بل آلاف، ولكن ليس المراد هو الإجابة على هذه الأسئلة الآن، بل المراد أن تقولها هناك؟ نعم هناك في قبرك حين تُسئل، فهل أعددت للسؤال جواباً؟، وهل الجواب سيكون صواباً؟.

أخي:

فكر جيداً, الأمر قريب, والموت حقيقة قادمة لا محالة ولا مهرب، ولو سألت شخصاً: كم سنك؟ سيقول: 20, 30, 40, 50 سنة، فهل تعرف ما معنى خمسين سنة، معناها أنه منذ خمسين سنة وهو يسير إلى الله، ويوشك أن يصل، وكلما تقدم العمر، ومضت السنوات، تقدم العبد إلى القبر، واقترب من الموت.

ولو أن أحدنا علم متى يموت لما كان حاله هو هذا الحال الذي عليه الآن، ولكن المصيبة أن الأمر يأتي بغتة، وحينها تأتي الحسرة والندامة {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}5.

نسأل الله – عز وجل – أن يردَّنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يهدينا سواء السبيل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة إبراهيم (27).

2 سورة المؤمنون (99-100).

3 سورة الحج (31).

4 المستدرك (1/93)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/219).

5 سورة الزمر (56).