قدر المكث بين الأذان والإقامة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين, وهادي الناس من الظلمات إلى النور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
قبل أن نذكر مقدار الفصل بين الأذن والإقامة لا بد أن نتطرق إلى حكم هذا الفصل وما هي أقوال الفقهاء في هذا الباب وبما ذا استدل كل فريق منهم على كلامه.
اتفق الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس ما عدا المغرب، فقد اختلفوا فيها(1).وذلك لكون المغرب مبنية على التعجيل(2).
واستدلّوا لذلك بما يل:
أولاً: من الكتاب:
قوله-تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33)، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أنه قد جاء في تفسير هذه الآية: المؤذن يدعو الناس بأذانه, ويتطوّع بصلاة ركعتين بين الأذان والإقامة، وهو مرويّ عن أبي أمامة الباهلي-رضي الله عنه وغيره(3) .
ثانياً من السنّة:
1- حديث عبد الله بن مُغفّل المزني-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:(بين كل أذانين صلاة –ثلاثاً-لمن شاء)(4) ووجه الدلالة من الحديث أنه دل على عدم الوصل بين الأذان والإقامة،بل بينهما وقت تؤدّى فيه صلاة النافلة؛ لأن الأذانين المقصود بهما، الأذان والإقامة.
قال "الحافظ ابن حجر"-رحمه الله- : "ولا مانع من حمل قوله أذانين على ظاهره؛ لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة قوله: (صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة"(5).
2- حديث عائشة-رضي الله عنها-:" كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح"(6).
3- حديث جابر بن سمرة-رضي الله عنه-قال:" كان مؤذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يؤذن ثم يمهل، فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قد خرج، أقام الصلاة حين يراه"(7).
ثالثاً: من المعقول:
1-أن الأذان شرع للإعلام فيسنّ الانتظار ليدرك الناس الصلاة ويتهيّؤوا لها(8)وإذا وصل بين الأذان والإقامة فات الناس الجماعة، فلم يحصل المقصود بالأذان(9).
2- أن الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يمكّن المصلي من أداء النافلة(10)فإنه لا خلاف بين العلماء في التطوّع بين الأذان والإقامة إلّا في المغرب(11).
أما مقدار الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس ما عدا المغرب فإنه على النحو التالي:
اختلف الفقهاء في مقدار هذا الفصل على أقوال هي كالتالي:
قول الحنفية:
روي عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلّي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة نحواً من عشر آيات، وفي العصر مقدار ما يصلّي ركعتين في كل ركعة نحواً من عشر آيات، وفي المغرب يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات، وفي العشاء كما في الظهر. وهذا عند الحنفية ليس بتقدير لازم، فينبغي أن يفعل مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحبّ(12).
وأما الشافعية:
فقد ذكر بعضهم: أن الفصل يكون بقدر ما تجتمع الجماعة(13).وزاد بعضهم، وبقدر أداء السنّة التي قبل الفريضة(14).
أمّا الحنابلة:
فعند أكثرهم أن الفصل يكون بقدر الوضوء وصلاة ركعتين(15). وقال بعضهم : يفصل بقدر حاجته ووضوئه وصلاة ركعتين(16)، وقال بعضهم: بقدر ما يفرغ الإنسان من حاجته، وبقدر وضوئه وصلاة ركعتين، وليفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه(17).
قال "ابن بطال:: لا حدّ لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين(18).
قال "الشيخ عبد الله البسام"-في كتابه توضيح الأحكام-: "فالأفضل أن يجعل بين الأذان وإقامة الصلاة وقت يستعدون فيها للحضور، ويفرغون من أعمالهم التي بدأ الأذان وهم قائمون بها، من أكل, ولبس وطهارة، ونحوها لقوله-صلى الله عليه وسلم-:(اجعل بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ آكل من أكله)(19).
وقال: كما أن المستحب أن لا يطيل الانتظار ما بين الأذان وقبل الصلاة، فيشق على الحاضرين(20).
والراجح:-والله أعلم-هو أن يقال أن مقدار الفصل بين الأذان والإقامة يرجع فيه إلى اجتهاد إمام المسجد، مراعياً في ذلك عدة أمور منها:
1- الوقت المستحب لأداء الصلاة.
2- حضور واجتماع الناس، وهذا يختلف باختلاف مواقع المساجد, وباختلاف الصلوات، وقد روي أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلاً جلس حتى يرى منهم جماعة ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة أقام الصلاة(21). وحديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-: "كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يصلّي… العشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر)(22).
3- تمكّن المصلّين من أداء السنّة التي قبل الصلاة. وغير ذلك مما هو من مصلحة الصلاة(23).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين،،،
1 – المبسوط (1/139). بدائع الصنائع(1/150).
2 – أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(380).
3 – انظر: جامع البيان في تأويل القرآن للطبري(11/110). وغيره من التفاسير.كابن كثير، والقرطبي، والبغوي.
4 – البخاري-كتاب الأذان، باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة رقم(838).
5 – فتح الباري(2/107).
6 – متفق عليه.
7 – الترمذي(202)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
8 – بدائع الصنائع(1/150).
9 – المهذب مع المجموع(3/127).
10 – المبسوط(1/139).
11 – فتح الباري(2/126).
12 – بدائع الصنائع(1/150).
13 – المجموع(3/127).
14 – مغني المحتاج(1/138).
15 – المغني(2/67).
16 – الإنصاف(1/392).
17 – كشاف القناع(1/288).
18 – سبل السلام(2/154).
19 – الحديث رواه الترمذي وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي رقم (30).
20 – توضيح الأحكام(1/425).
21 – أخرجه أبو داود وقال الحافظ ابن حجر في الفتح"وإسناده قوي مع إرساله".
22 – البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب رقم (560).
23 – أحكام الأذان والنداء والإقامة(384).