التقنع في الصلاة

التقنع في الصلاة

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن التقنع في الصلاة مسألة هامة تكلم عليها الفقهاء قديما وحديثاً، مبينين لإحكامها، لاسيما وهي تهم المأموم أيما أهميه، وتخصه أيما اختصاص، ولذا كان لزاماً علينا أن نبحث المسألة بحثاً يوضح غامضها، ويفصل مجملها، ويزيل إشكالها.

التقنع: بفتح التاء المثناة من فوق، والقاف وضم النون المشددة، وبالعين المهملة: وهو تغطية الرأس، وأكثر الوجه؛ برداء أو غيره.

عن عكرمة قال: “سمعت ابن عباس  يقول خرج رسول الله  ملحفة متعطفاً بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء” الحديث والدسماء: بمهملتين، والمد: ضد النظيفة، قلت هذا تفسير فيه بشاعة فلا ينبغي أن يفسر عصابة النبي بضد النظافة، قال: الكرماني ودسماء قيل: المراد بها سوداء ويقال ثوب دسم: أي وسخ، وجزم ابن الأثير أن دسماء سوداء وفي “التوضيح” والتقنع للرجل عند الحاجة مباح وقال: ابن وهب سألت مالكاً عن التقنع بالثوب فقال: أما الرجل الذي يجد الحر والبرد أو الأمر الذي له فيه عذر فلا بأس به وأما لغير ذلك فلا، وقال الأبهري: إذا تقنع لدفع مضرة فمباح ولغيره فمكروه1، وقد كان النبي  يتقنع كما في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : لما مَرَّ النبيُّ  بالحِجْر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يُصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنَّع رأسه، وأسرع حتى أجاز الوادي2. وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : بينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله  مقبلاً متقنع3، وعن أنس – رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله  يكثر تسريح لحيته ورأسه بالماء، ثم تقنع كأن ثَوب زيًّات4. وعن أسامة بن زيد  قال: قال لي رسول الله  : أدخل عليَّ أصحابي؛ فدخلوا عليه، فكشف القِنَاع، ثم قال: لعن الله اليهود النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد5، وعن ابن عباس  قال: خرج رسول الله  مُتَقَنِّعاً بثوبه فقال: يا أيها الناس! إن الناس يكثرون، وإن الأنصار يقلُّون، فمن ولي منكم أمراً ينفع فيه أحداً، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم6 قال الحافظ – رحمه الله تعالى -: “متقنعاً” أي مغطياً رأسه، وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب: قالت عائشة: وليس عند أبي بكر إلا أنا، وأسماء” قيل فيه جواز لبس الطيلسان، وجزم ابن القيم بأن النبي  لم يلبسه، ولا أحد من أصحابه، وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطليس، قال: ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة، وتعقب بأن في حديث أنس: أن النبي  كان يكثر التقنع.

وفي طبقات ابن سعد مرسلاً ذكر الطيلسان لرسول الله  فقال: هذا ثوب لا يُؤدي شكره7 وقال التُّوربشتي في قول ابن عمر  “تَقَنَّع”: أي لبس قناعاً على رأسه وهو شبه الطيلسان8.

اللهم وفقنا لكل خير، واقض عنا كل دين، والحمد لله رب العالمين.


1 – عمدة القاري ج:21 ص:308.

2– رواه البخاري، برقم (4419).

3 – صححه الألباني في صحيح أبي داود، كتاب اللباس، باب في التقنع رقم (3441).

4 – رواه ابن سعد 1/2/170).

5 – رواه أحمد في مسنده (1/218،518) وأبو عوانة (1/399).

6 – رواه أحمد في مسنده (1/289).

7 – فتح الباري (6/277).

8 – راجع: ” سبل الهدى والرشاد ” (7/289).