الإحسان إلى اليتامى
الحمد لله الواحد،الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأصلي وأسلم على خير البرية، وأزكى البشرية، أما بعد:
فهل تجد أخي الحبيب في قلبك قسوة وتريد أن يُذهبها الله؟
وهل تريد أن تكون رفيقى النبي ﷺ في الجنة؟
هل تريد أن تكسب مئات الحسنات بعمل يسير جداً؟
إذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده، أحسن إليه، واقترب منه، وابتسم له، امسح رأسه، وطيب خاطره، وأدخل البسمة على روحه الظامئة؛ فإن الإحسان إلى اليتامى من أعظم البر أما سمعت ربك وهو يقول: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}1، وقال – عز وجل -: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}2، بل جعل الله – تعالى – الإحسان إلى اليتامى قربة من أعظم القربات، ونوعاً عظيماً من البر فقال: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّواوُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}3، وأما رسول الله ﷺ فقد بلغ من عنايته باليتيم أن بشَّر كافليه بأنهم رفقاؤه في جنة عرضها السموات والأرض حين قال: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا))4 وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئاً، وقد قال ابن بطال: “حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ﷺ في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك”.
كما بشَّر النبي ﷺ من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بحسنات كثيرة حين قال: ((من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين))5.
وفي الإحسان إلىاليتامى نجاة لأن الله قد جعل لكافل اليتيم من الكربات والشدائد نجاة ومخرجاً فقال: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَاالْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}6، كما أن الحنو على اليتامى يذهب قسوة القلب، فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يشكو قسوة قلبه؛ فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم، ومدح النبي ﷺ نساء قريش لرعايتهن اليتامى فقال: ((خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده))7.
ولما مات جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – تعهد الرسولﷺ أولاده، وأخذهم معه إلى بيته، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم قال: ((العيلة – يعني الفقر والحاجة – تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة))8.
وأوصى الله – تعالى -بالإحسان إلى اليتيم الذي ترك له والده مالاً برعاية هذا المال، وتنميته وتثميره، وعدم الاعتداء عليه بأي صورة من الصور فقال: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}9، وقال: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسئولاً}10، ولا يمنع هذا ولي اليتيم إن كان فقيراً أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف لقوله -تعالى -: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}11.
وأخيراً: فإن كفالة اليتيم طريق إلى الجنة قصير كما قال الله – عز وجل -: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}12.
وما أجمل قول القائل في هذا المعنى إذ يقول:
كشيخٍ حـائرٍ أبصرت يوماً | صغيراً قد جَفَا الدنيا ونَاحا |
تُغالب عينَه العبـراتُ حرَّى | يناغي الدمعَ قد نَسِيَ المِرَاحا |
فأبصرني وفي عينيــه برقٌ | فشـقَّ الهمُّ قلبي واستباحا |
فقلت ومقلتي سكبت دموعي | رويدك يا صغيرُ دعِ النُّواحا |
فقال : أنا (يتيمٌ) ؛قلتُ:كلا | فعينُ اليتم من فقد الصلاحا |
كشيخٍ حـائرٍ أبصرت يوماً | صغيراً قد جَفَا الدنيا ونَاحا |
تُغالب عينَه العبـراتُ حرَّى | يناغي الدمعَ قد نَسِيَ المِرَاحا |
فأبصرني وفي عينيــه برقٌ | فشـقَّ الهمُّ قلبي واستباحا |
فقلت ومقلتي سكبت دموعي | رويدك يا صغيرُ دعِ النُّواحا |
فقال : أنا (يتيمٌ) ؛قلتُ:كلا | فعينُ اليتم من فقد الصلاحا |
فخـالَطَتِ ابتسامتُه دموعاً | ظَنَنْتُ الحزن قد ولّى وراحا |
فقـال وقد تلعثم في سؤالٍ: | أيـا عماه أرجوك السماحا |
صغــار الحي نادوني يتيماً | وكل القوم قد عافوا امتداحا |
أحقاً لـن يعود أبي فمن ذا؟ | يسليني؛ لمن أشكو الجراحا؟ |
وهذا الهــم شيبني صغيراً | أناجي الدمع أرتشف الجراحا |
وكل الأمنيات غدت سراباً | مع الأحلام تصطحب الرياحا |
تذكرت اليتيــم وما حباه | إلــه الكون من خيرٍ متاحا |
فقلت معـالباً حزني وقلبي | كـواه الحزن ممتشقا رمـاحاً |
بُنيَّ كفــاكَ ألهبْتَ الحنايا | بهمٍّ قد حَـوَى حتى البِطَاحا |
بُني.. بُني لا تحـــزن فإنّا | لك الأحبـاب فلترجُ الفلاحا |
لك الأصحاب فلنمضِ سوياً | نعيــد المجد نرتقب الصباحا |
فغالبْ يا حبيب القلب هما | وسلِّ النفس وامنحها المزاحا |
وسلِّ النفس وامنحها المزاحا | وسر النفس قد بـانَ ولاحا |
وأطرق مـاشياً يدعو إلهي | وودعني بــدمع واستراحا |
والحمد لله أولاً وآخراً.
1 النساء من الآية36.
2 البقرة من الآية220.
3 البقرة (177).
4 رواه البخاري برقم (5304).
5 رواه أحمد برقم (21649)، وقال الألباني: في مشكاة المصابيح برقم (4974) لم تتم دراسته.
6 البلد (11-15).
7 رواه البخاري برقم (5082).
8 رواه أحمد برقم (1753)، وصححه الألباني في فقه السيرة برقم (370).
9 الأنعام من الآية 152.
10 الإسراء (34).
11 النساء (6).
12 الإنسان (8-12).