ضوابط العمل الصالح

ضوابط العمل الصالح

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

فإن الله عز وجل أثنى على عباده كثيراً في كتابه العظيم بتحقق صفتين عظيمتين فيهم وهي الإيمان والعمل الصالح، وارتباط أحدهما بالآخر كارتباط الروح بالجسد، فلا غنى لأحدهما عن الآخرة طرفة عين.. وللعمل ضوابط وشروط حتى يكون صالحاً متقبلاً عند الله رب العالمين، وتلك الضوابط هي:

أولاً: الإخلاص لله -تعالى-. ثانياً: متابعة الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على ذلك؛ فمن ذلك قوله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} سورة البينة(5)، وفي الحديث المتفق عليه من حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والله –سبحانه- غني عن عمل فقد الإخلاص منه؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله -تبارك وتعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، فهذه الأدلة وغيرها تدل على أهمية الإخلاص في العمل وأنه ضابط من ضوابط قبوله، وقد دلت الأدلة أيضاً على أن اتباع النبي -صلى لله عليه وسلم- في العمل ضابط أيضاً؛ يقول عزَّ من قائل: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} سورة آل عمران(31)؛ وفي الحديث المتفق عليه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

فإذا حقق العبد المؤمن في عمله هذين الضابطين قبل عمله -إن شاء الله-، وتحصن بذلك من ألد أعدائه وهو الرياء والبدعة والشرك؛ يقول ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- عن هذين الضابطين: "فهما توحيدان، لا نجاه للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-"1. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة، وهذان الأصلان هما تحقيق "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"؛ كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} سورة الملك(2)، قال الفضيل بن عياض-رحمه الله-: "أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}2 سورة الكهف(110).

اللهم اجعلنا من المخلصين في الأقوال والأعمال لوجهك يا رب العالمين، ومن المتبعين لنبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم إنا نعوذ بك من البدع والإحداث في الدين، ونسألك الثبات على دينك حتى الممات.. إنك سميع الدعاء.


1 شرح العقيدة الطحاوية، صـ(188).

2 مجموع الفتاوى (1/333).