فضل شهر محرم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن نعم الله – تعالى – على عباده أن يوالي مواسم الخيرات عليهم ليوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، فما كاد ينقضي موسم الحج المبارك إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، وهو أول شهور السنّة الهجرية، ومن أعظم الشهور وأفضلها، وأحد الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله في كتابه بقوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ1 أي “أن الله حرم الأشهر الحرم الأربعة وهي الثلاثة المتوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، والشهر الرابع المفرد: رجب، والواضح أن هذا التحريم كان مع فرض الحج في أشهره المعلومات منذ إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام -، وعلى كثرة ما حرف العرب في دين إبراهيم، وعلى شدة ما انحرفوا عنه في جاهليتهم قبل الإسلام؛ فإنهم بقوا يعظمون هذه الأشهر الحرم؛ لارتباطها بموسم الحج الذي كانت تقوم عليه حياة الحجازيين، وبخاصة سكان مكة كيما يكون هناك السلام الشامل في الجزيرة الذي يسمح بالموسم، والانتقال إليه، والتجارة فيه”2.
وقد ورد في شهر محرم نصوص تدل على فضله، وفضل الأعمال الصالحة فيه من صوم ونحوه. فضل شهر محرم والأحاديث الواردة في فضله:
من النصوص الواردة في فضل شهر محرم قوله – تعالى -: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ 3، وفي هذه الآية بيان أن الله – سبحانه – وضع هذه الشهور، وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم، والروم، والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوماً، وبعضها أكثر، وبعضها أقلّ.
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ هي: “ذي القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد، وواحد فرد”4، وشهر محرم من الأشهر الحرم التي ذُكرت في الآية.
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ5.
ومن فضل شهر محرم أن رسول الله ﷺ أضافه إلى الله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ: الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ6، و”هذا الحديث فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم”،7 وأن أفضل أوقات صوم التطوع بعد رمضان هي أيام شهر محرم الذي أضافه الله – تعالى – إليه تشريفاً وتعظيماً، وهذا ظاهر من حديث النبي ﷺ، فإن الصيام من أفضل الأعمال عند الله – تعالى -.
ومن فضل شهر محرم أن فيه يوم عاشوراء الذي يذكر النبي ﷺ فضله في حديث أَبِي قَتَادَةَ فيقول: وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ8.
فضل العمل في شهر محرم:
إن المسلم العاقل اللبيب هو الذي يستغل مواسم النفحات الربانية، والمنح الإلهية؛ كي يكثر من الطاعات والخيرات فيها، خاصة وأن الأجور فيها قد تكون مضاعفة.
وإن مما ينبغي على العبد القيام به في هذا الشهر أمور منها:
أولاً: الصيام لحديث أَبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ9 قال أبو الطيب السندي: “أفضل الصيام بعد رمضان عند الإطلاق صيام المحرم، وعند تعظيم رمضان صيام شعبان”10.
ثانياً: تحري صيام التاسع والعاشر منه فعَنْ بْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ11، وقال: وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ12.
ثالثاً: كما أنه ينبغي الإكثار من الدعاء، والتزود من الطاعات، واستغلال هذا الموسم الرباني.
أعمال شهر محرم بين الاتباع والابتداع:
إن اتباع السنة والهدي النبوي في أعمال شهر محرم وغيره من أعمال الطاعات هو المطلوب من العبد المسلم؛ لأن النبي ﷺ قد بيَّن لأمته الكيفية الصحيحة لأداء أي عبادة أو شعيرة من شعائر الدين، ونحن في شهر محرم نجد أن هناك عبادات ونوافل وردت عن النبي – عليه الصلاة والسلام -، ووردت أيضاً الكيفية التي كان يؤدي بها تلك الشعائر، إلا أنا نجد اليوم أمور ابتدعها بعض الجهال ظناً منهم أنها من الدين وليست كذلك، ومن هذه البدع التي ظهرت في شهر محرم:
أ- بدعة الرافضة وما يحدثونه من الحزن والمآتم في يوم العاشر من محرم (يوم عاشوراء) قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: “وصار الشيطان بسبب قتل الحسين يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً، ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله”13.
ب- بدعة النواصب وما يحدثونه من الفرح في عاشوراء، وهؤلاء من يبغض علي بن أبي طالب وأهل بيته ، فجعلوا هذا اليوم موسم فرح وعيد، قال شيخ الإسلام بعد أن تكلم عن بدعة الروافض، ثم ذكر بدعة النواصب فقال: “وأحدث هؤلاء السرور، وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين ، وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له، وكل بدعة ضلالة، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجَّة شرعية”14.
وبين هاتين البدعتين نجد أن الله قد هدى ووفق أهل السنة فامتثلوا ما جاء عن النبي ﷺ من الصوم، مع مراعاة عدم التشبهة باليهود في صيامهم له، وابتعدوا عن ما أحدثه الشيطان من البدع الباطلة التي لم تثبت عن النبي ﷺ ، ولا عن أصحابه في القرون المفضلة، ولا التابعين، فلله الحمد والشكر على أن وفقنا أن نكون من أهل سنة نبيه ﷺ ، ووفقنا إلى اتباعه، والسير على نهجه وخطاه.
وصلى الله على محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 سورة التوبة (36).
2 في ظلال القرآن (4-26).
3 سورة التوبة (36).
4 فتح القدير (3-251).
5 صحيح البخاري (4294)، ومسلم (3179).
6 صحيح مسلم (1982).
7 شرح النووي على مسلم (4-185).
8 صحيح مسلم (1982).
9 صحيح مسلم (1982).
10 تحفة الأحوذي (2-197).
11 صحيح مسلم (1917).
12 صحيح مسلم (1982).
13 منهاج السنة النبوية (4-332).
14 منهاج السنة النبوية (4-332).