مشتقات لغوية

مشتقات لغوية

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان، علَّمه البيان، والصلاة والسلام على فصيح الأنام، وغرَّة الأيام محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

فمرحباً بكم أيها الأخوة الكرام في هذه الجولة الأدبية الماتعة، نلتقي فيها مع أبي الأسود، ونصافح الخليل، ونسلم على الزجَّاج، ونشرف فيها على أطلال طالما هجرت من دهر، ودرست معالمها من سنين، فهيا بنا نجدد ما استطعنا من تلك الديار، وننفض الغبار عما قدرنا عليه من تلك الصحف والسعف والجريد

"إن تك يا ربعُ قد بَليتَ من الـ         رَّيـحِ فإني بالٍ من الحَزَنِ

قد كان يا ربعُ فيك لي سَكــنٌ        فصرت إذ بانَ بعدَه سَكَنِي

يا ريحُ لا تطمِسي الرمـوسَ ولا         تمحِي رسومَ الديار والدّمنِ

حاشاك يا ريح أن تكون على الـ        عاشق عوناً لحادث الزَّمنِ1

التعريف بعلم الاشتقاق:

"قال ابن فارس في فقه اللغة: باب القول على لغة العرب هل لها قياس، وهل يشتق بعضُ الكلام من بعض: أجمع أهل اللغة – إلاَّ من شذَّ منهم – أن للغة العرب قياساً، وأنّ العرب تشتقُّ بعض الكلام من بعض، واسم الجنّ مشتقُّ من الاجْتنان، وأن الجيم والنون تَدُلاّن أبداً على السّتر، تقول العرب للدّرْع: جُنَّة، وأجَنَّه الليلُ، وهذا جَنين: أي هو في بَطْن أمّه، وأن الإنس من الظهور يقولون: أنسْتُ الشيء: أبْصَرْتُه، وعلى هذا سائرُ كلام العرب، عَلم ذلك مَن عَلم، وجَهله من جهل"2.

وتعريف علم الاشتقاق في اللغة: "يطلق على معان منها: أخذ الشيء من الشيء، ومنها الأخذ في الكلام والخصومة يميناً وشمالاً مع ترك القصد، واشتقاق الحرف من الحرف أخذُه منه، وكذلك أخذُ الكلمة من الكلمة"3.

"الاشتقاق في الاصطلاح: هو نزع لفظ من آخر بشرط تناسبهما معنىً وتركيباً، وتغايرهما في الصيغة بحرف أو بحركة، وأن يزيدَ المشتقُّ على المشتقّ منه بشيء"4.

"وأنواع المشتقات: الأَسماءُ المشتقة سبعة: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة"5.

نماذج من الألفاظ المشتقة:

التسليم: "والتَّسليمُ مشتَقّ من السلام اسم اللّه تعالى لسلامَتِه من العَيب والنَّقْص، وقيل: معناهُ أن اللّه مُطَّلع عليكم فلا تَغْفُلوا، وقيل: معناه اسم السلامِ عليك: أي اسم اللّه عليك إذا كان اسمُ اللّه يُذْكر على الأعْمال تَوقُّعاً لاجْتماع معاني الخيرات فيه، وانْتِفاء عَوارِض الفساد عنه، وقيل: معناه سَلِمْتَ مني فاجْعَلْني أسلَمُ منك من السلامة بمعنى السلام"6.

الاسم: "الاسم مشتق من السمو عند البصريين، فلامه واو محذوفة، وعند الكوفيين مشتق من السِّمة وهي العلامة؛ ففاؤه محذوفة، ودليل البصريين: التصغير والتكبير؛ لأنهما يردان الكلمات إلى أصولها، وقول الكوفيين أظهر في المعنى؛ لأن الاسم علامة على المسمَّى"7.

وفي لسان العرب: "وقال الزجَّاج: معنى قولنا اسمٌ: هو مُشْتَق من السُّموِّ، وهو الرِّفْعَة قال: والأَصل فيه سِمْوٌ مثلُ قِنْوٍ وأَقْناءِ، وقال الجوهري: والاسم مُشْتَقٌّ من سَموْتُ؛ لأَنه تَنْويهٌ ورِفْعَةٌ…ومن قال إنَّ اسماً مأْخوذٌ من وَسَمْت فهو غلط؛ لأَنه لو كان اسمٌ من سمته لكان تصغيرُهُ وسَيْماً، مثلَ تَصْغير عِدَةٍ وَصِلَةٍ وما أَشبههما"8.

الوضوء: "وقولهم لغسل الوجه واليد (الوضوء)؛ وأصله من الْوَضَاءة وهي الحسن والنظافة، كأن الغاسل وجْهَهُ وَضَّأه: أي حَسَّنُهُ ونظفه"9.

الكعبة: "وإنما سميت الكعبة عتيقاً: لأن الله أعتقها من الجبابرة، أو معناه القديم، أو لأنه أعتقها من الغرق أيام الطوفان"10.

الصلاة: "وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها على الدعاء إطلاقاً لاسم الجزء على اسم الكل، وهي مشتقة من الصلوين: وهما عرقان في خاصرتي المصلي ينحنيان عند انحنائه في ركوعه وسجوده، ويرتفعان عند ارتفاعه، وقيل: من صليت العود بالتشديد على النار إذا قومته، لانعطافه ولينه والصلاة تقومه"11.

صلاة الصبح: "…وهو بضم الصاد وكسرها لغة: أول النهار فلذلك سميت به هذه الصلاة، وقيل: لأنها تقع بعد الفجر الذي يجمع بياضاً وحمرة، والعرب تقول: وجه صبيح لما فيه بياض وحمرة"12.

صلاة الظهر: "…سميت بذلك لأنها تفعل وقت الظهيرة أي شدة الحر، وقيل: لأنها ظاهرة وسط النهار، وقيل: لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام (لأنها أول صلاة صلاها جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم)، وقد بدأ الله تعالى بها في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ…} سورة الإسراء (78)"13.

صلاة العصر: "سميت بذلك لمعاصرتها الغروب كذا قيل، ولو قيل: لتناقص ضوء الشمس منها حتى يفنى تشبيهاً بتناقص الغسالة من الثوب بالعصر حتى تفنى لكان أوضح"14، وقيل: "لأنها تعصَر أي تُحْبَس عن الأولى"15.

صلاة المغرب: "سميت بذلك لفعلها عقب الغروب، وأصل الغروب البُعد يقال: غرب بفتح الراء أي بعد، والمراد تكامل الغروب، ويعرف في العمران بزوال الشعاع عن رؤوس الجبال، وإقبال الظلام من المشرق"16.

صلاة العشاء: "قال في التنبيهات: سميت بذلك من الظلام، والعشاء بكسر العين ممدوداً أول الظلام، وقال ابن العربي في العارضة العشاء بكسر العين هو أول الظلام، وذلك من المغرب إلى العتمة، والعشاء بفتحها طعام ذلك الوقت، والعشاءان المغرب والعتمة انتهى، وقال الجزولي: كان يمر بنا في المجالس أنها مشتقة من العشى وهو ضعف البصر؛ لأن البصر يضعف حينئذ، قال في التنبيهات: وجاء اسمها في الحديث العتمة بقوله: ((لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً)) رواه البخاري (615) ومسلم (1009)،  وجاء النهي عن تسميتها عتمة، وسميت بذلك من عتمة الليل وهي ثلثه، وأصله تأخيرها يقال: أعتم القوم إذا ساروا حينئذ، والعتمة الإبطاء انتهى.

قال في الصحاح: العتمة وقت صلاة العشاء، قال الخليل: العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، وقد عتم الليل يعتم كضرب يضرب، وعتمته ظلامه. انتهى.

وقال ابن حجر: العتمة ظلمة الليل، وتنتهي إلى الثلث الأول، وأطلقت على صلاة العشاء؛ لأنها توقع فيها انتهى.

والنهي عن تسميتها عتمة هو ما رواه مسلم: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إلا أنها في كتاب الله العشاء وهم يعتمون بالإبل)) رواه مسلم برقم (644) بفتح أوله وضمه وفي رواية ((بحلاب الإبل))، ومعناه أنهم يسمونها العتمة؛ لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام"17.

الإنسان: و"الإِنْسَانُ" مِنَ الناس اسم جِنَسٍ يقع على الذَّكَرِ والأُنثْى، والواحد والجَمْعِ، واختلفَ في اشتقاقه مع اتفاقهم على زيادة النون الأخيرة، فقال البصريون: من الأنْسِ فالهمزة أصل، ووزنه فعلان، وقال الكوفيون: مشتق من النسيان فالهمزة زائدةٌ، ووزنه إفْعَانُ على النقص، والأصل إنسيانٌ على إفعلان، ولهَذا يُرَدَّ إلى أصله في التصغير فيقالُ: أُنَيْسِيَانٌ"18.

العقل: "قال بعض المحققين: العقل جوهر مجرد عن المادة، وهو الذي يدرك المعاني الكلية، والحقائق المعنوية، وهو مشتق من عقل البعير عقلاً إذا شده، سمي به؛ لأنه يمنع صاحبه عن ارتكاب ما لا ينبغي مثل العقال"19.

السخاء: "سخاء بفتح أوله ممدود اسم موضع ذكره أبو جعفر في الاشتقاق قال: وهو مشتق من قولهم مكان سخاوي إذا كان لين التراب، ورجل سخي إذا كان ليناً حين يعطي، ولهذا قيل في الدعاء: يا مجيد ولم يقل يا سخي"20.

"الهَوَامُّ: قال "أبو حاتم: الهَوَامُّ الميمُ مُشَدَّدة الواحدة هامَّة فمنها: الوَرَل، والعَظَاية، والحِرْبَاء، والعِسْود، وسامُّ أبرَصَ، والعَقْرب، والحَيَّة، ودَخَّال الأُذنِ، والعَنْكَبُوت، والثُّطْأة، والشَّبَت، والثُّعْبة، وكلُّ دابة لا تؤكَل، قال ابن دريد: اشتُقَّت من الهَمِيم وهو الدَّبِيب"21.

"صاحب الشرطة: بضم الشين المعجمة وإسكان الراء:…وفي اشتقاقه قولان:

أحدهما: أنه مشتق من الشَرَط بفتح الشين والراء: وهي العلامة؛ لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يعرفون بها، ومنه أشراط الساعة: يعني علاماتها.

وقيل: من الشرط بالفتح أيضاً وهو رذال المال؛ لأنهم يتحدثون في أرذال الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللصوص ونحوهم"22.

وبعد أيها الأحبة الكرام: كانت هذه جولة أدبية سريعة حول علم من أعظم علوم اللغة العربية وهو علم الاشتقاق، وحبذا لو توسع فيه طالب العلم بخاصة فإنه علم ممتع، كثير الفائدة، غزير المعرفة.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، والحمد لله رب العالمين.


1 الأغاني بتصرف (23/ 143) لأبي الفرج الأصفهاني الناشر: دار الفكر – بيروت، ط. الثانية، تحقيق: سمير جابر.

2 المزهر في علوم اللغة (1/274)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، ط. الأولى – 1998، تحقيق: فؤاد علي منصور.

3 من ذخائر ابن مالك في اللغة مسألة من كلام الإمام ابن مالك في الاشتقاق (1/9)، تقديم ودراسة وتحقيق وتعليق: الدكتور: محمد المهدي عبد الحي عمار أستاذ مساعد في كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

4 المفتاح في الصرف (1/62) لأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (المتوفى سنة 471هـ)، حققه وقدم له: الدكتور علي توفيق الحَمَد كلية الآداب – جامعة اليرموك – إربد – عمان، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، ط. الأولى (1407 هـ – 1987م).

5 الموجز في قواعد اللغة العربية. المؤلف: سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني (المتوفى: 1417هـ)، الناشر: دار الفكر – بيروت – لبنان، ط 1424هـ – 2003م.

6 النهاية في غريب الأثر (2/985). المؤلف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، الناشر: المكتبة العلمية – بيروت 1399هـ – 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي، ولسان العرب (12/289) المؤلف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، الناشر: دار صادر – بيروت، ط. الأولى.

7 التسهيل لعلوم التنزيل (1/59) للعلامة: أبي عبد الله محمد المدعو بالقاسم ابن أحمد بن محمد بن جزى الكلبي.

8 لسان العرب (14/397)، المؤلف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري. الناشر: دار صادر – بيروت ط. الأولى، بتصرف يسير.

9 أدب الكاتب (1/52) المؤلف : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروري الدينوري، الناشر المكتبة التجارية – مصر، ط. الرابعة 1963م، تحقيق : محمد محيى الدين عبد الحميد.

10 تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/430) المؤلف: سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي. دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان 1417هـ – 1996م، ط. الأولى.

11 حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/767) المؤلف: العلامة الشيخ سليمان الجمل رحمه الله، دار الفكر – بيروت.

12 الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/111) لمحمد الشربيني الخطيب، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات – دار الفكر.

13 الإقناع للشربيني (1/107).

14 تحفة المحتاج في شرح المنهاج (4/348)، الشاملة (3).

15 تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري. دار إحياء التراث العربي – بيروت 2001م، ط. الأولى.

16 حاشية البجيرمي على الخطيب (3/362) الشاملة (3).

17 مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (3/194) لخليل بن إسحاق.

18 المصباح المنير (1/18) أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري، دراسة و تحقيق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية.

19 معجم الفروق اللغوية (1/355) لأبي هلال العسكري. بتصرف من الشاملة (3).

20 معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (3/727) المؤلف: عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي أبو عبيد، عالم الكتب – بيروت، ط. الثالثة 1403هـ، تحقيق مصطفى السقا.

21 المخصص (2/306) لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده، دار إحياء التراث العربي بيروت 1417هـ – 1996م، ط. الأولى،  تحقيق: خليل إبراهم جفال بتصرف يسير.

22 صبح الأعشى في صناعة الإنشا (5/423) لأحمد بن علي القلقشندي، دار الفكر – دمشق، ط. الأولى 1987م، تحقيق: د. يوسف علي طويل.