التكامل بين العاملين

التكامل بين العاملين

إن الفرد يعتبر عند أرباب الإدارة العنصر الأساس في بناء الأمة، لكنهم يعدون شرط قيامه بدوره الأكمل هو تعاونه مع بقية الأفراد.

ولا شك أن الأمة التي يتعاون أفرادها فيما بينهم، ويلتقون على أساسه؛ أمة تستحق أن ترقى إلى مقام الريادة، وتتبوأ منازل المجد، ومعالي الرفعة، وتتسلم مقاليد الأمور؛ إذ أن تعاونهم يضيف من خلاله كل فرد إلى الآخر إضافة كيفية لا كمية، جوهرية لا شكلية، تجعلهم يعيشون الطموح، ويشيدون الصروح، ويخرجون برؤى متزنة، وممارسات مثالية، وأعمال راقية؛ تترك أروع الأثر في الساحة المعنية، وإذا فتشنا في شريعتنا الغراء عما يقرر هذه الروح التكاملية فسنجد أن حامل لوائها الأعظم  كان يربي ويغرس في صحابته هذه الروح الجماعية التكاملية؛ وقد ضرب مثلاً للمجتمع بأنهم كقوم أقلَّتهم سفينة، إن أراد أحدهم خرقها وجب على الجميع الأخذ على يده، وإلا غرقوا جميعاً، لتبقى الرسالة واضحة أن في تلاقي روح الأمة وتساندها الأمل المنشود للخروج من واقعها المتأزم.

ومن هذا المنطلق أحببنا الإشارة إلى معلم في أصول دعوتنا الزكية؛ تتحقق تطبيقاته في جزء من ممارستنا الدعوية يتمثل في الإطار التربوي لمدارس التحفيظ، والذي يحتاج منا أن نعيش روح التكامل والتكاتف الدعوي، والتلاقح الفكري، والالتفاف الروحي؛ للخروج بأروع النتائج، وأزكى الثمار، ولعلنا نشير إلى تطبيقات هذا التكامل بعد أن نقف أولاً مع مزاياه.

* مزايا العمل التكاملي:

تحقيق مبدأ التعاون الجماعي الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة.

الرقي بالمستوى الأدائي نتيجة اجتماع الجهود والخبرات، والإفادة من أرباب التجارب والقدرات.

ضمان استمرارية العمل بإذن الله تعالى؛ لعدم توقفه على فرد يعتريه الضعف والنقص، والفتور والخور، ويوحشه طول الطريق، وغياب المعين.

القرب من الموضوعية في الآراء والمقترحات، والخروج برؤىً متزنة، ونظرة واسعة بعيداً عن التفكير الأحادي، واصطباغ العمل بالفردية الجانحة.

المساندة عند ظهور بعض التحديات أو المستجدات الداخلية والخارجية، والعمل بروح الفريق الواحد؛ لتجاوزها والتغلب عليها.

* تجليات التكامل:

تنصب غالباً في المهام الموكلة إلى العاملين في المحضن التربوي الواحد، وتتمثل في الآتي:

1- المسؤوليات الإدارية: بحيث يكون للمدرسة الواحدة:

مجلس إدارة.

مدير فخري.

مدير تنفيذي.

نائب للمدير.

مشرف عام، أو عدة مشرفين يتولون مهام متعددة بحسب ظروف كل مدرسة.

مجلس الآباء.

2- توزيع مسئوليات الأنشطة: وذلك من خلال تقسيم المدرسة إلى لجان عمل يقوم على كل لجنة مسئول، وتشمل الأتي:

اللجنة العلمية والدعوية.

اللجنة الثقافية.

اللجنة الاجتماعية.

اللجنة الرياضية.

اللجنة التطويرية.

3- التكامل في حيثيات التعامل مع الطلاب: وهذا الغمار الصعب الذي قلَّ أن يعرف طريقه بين العاملين، ومن صوره التطبيقية:

عند قيام المدرسة بفصل طالب لسبب ما (غير المصلحة المؤكدة) فيتم متابعته والعمل على عودته من قبل أحد المدرسين.

حال استعمال أحد أفراد طاقم التدريس الشدة والغلظة في موضع لمصلحة؛ فيتم التماس العذر وتبرير موقفه من قبل بقية المحفظين.

إذا تم التعامل مع طالب بالجفوة والإقصاء لأمر اقتضى ذلك؛ فيتولى أحد المدرس احتواء الموقف بالمعالجة التربوية.

استعمال دور الوسيط والشافع مع الطلاب في القرارات الحازمة من قبل الإدارة .. ولا تنحصر صوره.

4- التكامل في بناء الشخصية التربوية: فيضطلع كل من موقعه بمهمة تسهم في بناء شخصية الطالب التكاملية المتمثلة في الجوانب الآتية:

· البناء الشرعي في كافة العلوم الشرعية بما فيها القرآن ضبطاً وأداءً.

· البناء الروحي والتربوي.

· البناء المعرفي والعقلي.

· البناء الدعوي.

* وتذكروا دائماً:

أن أساس النجاح في المشاريع والأنشطة والأعمال بعد توفيق الله معتمدة على أساس إحكام السير على أضلاع مثلث الإنتاج فلتراعى، وهي:

الأناة حال التخطيط.

الحماسة في التنفيذ.

الاستمرارية والمتابعة.

توصيات:

ليس بالضرورة المباشرة اليومية للعمل في بعض المسئوليات الإدارية بل تكفي الزيارة الفصلية أو المتابعة عن بعد.

وضع هيكلة الإدارة بالشكل المطروح أعلاه، تكمن مكاسبه في المردود النفعي (مادي، تربوي، تعاطفي) للمدرسة؛ فليحرص عليه ما أمكن.

يمكن أن يستفاد من خريجي المدرسة السابقين، أو بعض شباب المسجد النابغين والموثوق بقدراتهم وأدائهم؛ لتولي بعض المهام الإدارية المواتية لظروفهم وقدراتهم كمسئولية الإشراف على متابعة حفظ الطلاب ومراجعتهم أسبوعياً، أو السير في المنهج المصاحب إن وجد، أو سير الأنشطة والحلقات التربوية؛ بحيث يُحدد له ما لا يزيد عن يومين لتولي هذه المهمة، أو وقت قصير لا يتجاوز النصف ساعة كل ثلاثة أو أربعة أيام.

ما يتعلق بمسئولي اللجان يمكن أن يتولاها الطلاب النجباء في المدرسة، مع إشراف مدرس على كل لجنة، وهذا له آثر تربوي يكمن في تهيئة الطالب لتولي المهام، وإدارة العمل من وقت مبكر.

لا غرو أن يتولى بعض العاملين أكثر من مهمة إن كان أهلاً للقيام بها.

نؤكد أن الانطلاق في العمل لا بد أن يتم وفق منهجية وخطط معدة، ودراسة متأنية، مع التوصية بالمتابعة.

* ختاماً: أيها المهتمون:

نقول: إن قيمة العمل وقوته، وعمقه وأصالته؛ إنما هي نابعة من أساس تكامله، ولهذا كان التكامل في العمل الإسلامي فريضة شرعية فلا يغفل هذا الباب.

ولتتيقنوا، فما تعثرت كثير من أعمالنا الدعوية ومناشطنا التربوية ووجدت طريقها إلى التآكل والتناخر والانحسار إلا حين اتسمت بالذهنية الفردية، أو العشوائية المتخبطة، فلتُحذر.

نسأل الله أن يسدد خطاكم، ويبارك في الدروب وثبتكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.