برامج تربوية لطلاب التحفيظ

برامج تربوية لطلاب التحفيظ

 

مما يثلج الصدر، ويدعو إلى الغبطة، ويبعث على الأمل ذلك الإقبال المتزايد على الحلقات القرآنية (ذكوراً وإناثاً) في شتى الأصقاع ومختلف البقاع ولله الحمد والمنة.

إن جريان شريان الهدى، وسريان نور الوحي في قلوب هذه الصفوة من الخلق بقدر ما سقى القلوب غيث الرضا والسرور؛ بقدر ما رمى على عواتق القائمين عبء التنشئة، وصقل النفوس، وتهذيب الطباع.

يا قادة المدارس القرآنية:

إن ثمة أمراً لا بد أن تعوه بقلوبكم، ويقر منكم في الشغاف؛ يتلخص في كوننا لا نريد أن نختزن دَور حلقات تحفيظ القرآن الكريم في تخريج أكبر عدد من الحفاظ فحسب – مع كونه هدف ومطلب -؛ بل نرجو أن نسمو في تطلعنا إلى إخراج جيل بل أجيال من الصفوة تنتهج القرآن سلوكاً عملياً، وتمتثله تربية إيمانية، وتزكية روحانية، ومسيرة ربانية، يمتزج بأنفاسهم، ويعيش في خلجاتهم، ويحيونه مع خفقات قلوبهم، وإن لم يحفظوا القرآن يقول عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما -: "كنّا صدرَ هذه الأمّة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما معه إلا السّورة من القرآن أو شبه ذلك، وكان القرآن ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل به، وإنّ آخر هذه الأمّة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقرأه الصّبيّ والأعجميّ فلا يعملون به"1.

وباختصار جيل يسير على خطى الرعيل الأول والمجتمع الأمثل {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام:90)، ولن يتسنى هذا الأمر أو يرى بارقة النور ما لم تُعط البرامج التربوية الهادفة الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر من مناهجنا ومقرراتنا، هذه البرامج التي تغرس في الجيل القرآني المثل العالية، والأخلاق السامية، وتحثهم على معالي الأمور، وتربأ بهم عن سفاسفها، وتسمو بأرواحهم في مقامات العبودية، وتحلق بنفوسهم في مصاف {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ}(آل عمران:79).

ومما لا شك أن معلم القرآن هو من يضطلع بهذه المهمة، فليس عمله منحصراً – كما يتوهم البعض – في كونه محفظاً (آلة رد)، بل مهمته أرفع شأناً، وأسمى شأواً.

إن هذه البرامج التربوية ليست محصورة في جانب دون آخر، ولا مقصورة على جزء منها دون جزء، بل هي شاملة لكافة المناشط (دعوية، وعلمية، واجتماعية، وثقافية، ورياضية …) إذ التكامل هو ما يؤدي الدور المطلوب، والهدف المنشود، لكن ما يجمعها هو أثرها البليغ في نفوس المستهدفين، ولقد نبه علماء المسلمين إلى ضرورة مثل هذه الأمور لما لمسوه من عميق الأثر، وعظيم الجدوى في نفوس الدارسين، وإن كان ما تطرقوا إليه يعتبر من منظور أضيق، فهذا الغزالي – رحمه الله – ينصح بأن يؤذن للطلاب بعد الانصراف من الدرس باللعب، ويعلل ذلك بأن إرهاق الطالب بالتعليم دائماً يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه"، ويشير إلى أهمية هذا الأمر بقوله: "ومن المعلوم أن الحكمة من هذا اللعب إزالة ما يُحس به الولد من السآمة، والملل، والتعب، وتجديد لنشاطه وحركته، وصفاء لذهنه، وترويض لجسمه من أن يصاب بالأمراض والآفات"2.

وقد استحب بعض السلف أن يترك للصبي فرصة للعب، ثم توفر همته على القراءة؛ لئلا يمل القراءة فيهجرها ويتركها، ويعدل عنها إلى اللعب، لكن ما نود الإشارة إليه هو الوقوف على بعض تلك البرامج التربوية في الحلقات القرآنية، والتي ينبغي تحري أن تكون جزءاً من منهجها؛ لكي تحقق الحلقات القرآنية أهدافها المرامة والطامحة.

* ما ينبغي توفره في هذه البرامج:

          تسهم في تنمية الجوانب الروحية والعقلية، والاجتماعية والعاطفية، والثقافية لدى الدارسين (هادفة).

          مناسبة لقدرات واستعدادات الدارسين في الحلقات القرآنية.

          ذات مردود إيجابي على نفوس الطلاب يتمثل في إقبالهم على الحلقات، والاهتمام بالحفظ والمراجعة.

          تعالج قضية الرتابة والملل الذي قد يتسرب إلى نفوس الطلاب، وتدخل السرور على نفوسهم.

          تحقق التوازن بين متطلبات الحلقة، ومتطلبات النفس وحقوقها.

* أهداف البرامج التربوية:

– تربية الجيل الناشئ تربية إيمانية منبثقة من منهج القرآن (سلوكاً وعملاً).

– تعميق روح الهداية والاستقامة في قلوبهم وأعماقهم.

– تنمية مبدأ الاعتزاز لدى الطالب بإسلامه، وهويته، وقرآنه.

– القضاء على المظاهر السلبية من الأخلاق الذميمة، والعادات المشينة.

– شغل الشباب بمعالي الأمور، ورفيع مطالبها.

– إشعال الحماسة في نفوسهم، وإيقاد هم حمل الدين، والتفاني لأجله في ضمائرهم.

* برامج تربوية مقترحة:

1- زاد المسير: وهذا البرنامج يعنى برفع الحصيلة العلمية والتربوية للطالب، ويتمثل في ثلاثة أمور: (المطالعة المستمرة، الدروس العلمية، الأشرطة السمعية)، ويتم هذا من خلال أمور:

          وضع برنامج مدروس بعناية وفق خطة زمنية منتظمة.

          تشكل لجنة علمية لوضع المنهج وفق ما يخدم أهداف البرنامج.

          يقسم البرنامج إلى عدة مستويات يراعى فيها التباين العلمي، والتدرج المعرفي.

          يتم تعيين لجنة إشرافية معنية بالمتابعة لخطة السير، ويرفق لذلك استمارة تقويمية لمعرفة الحصيلة والإنجاز.

          يرافق البرنامج تكليف يخدم أهداف البرنامج مثل: تلخيص كتاب، كتابة مقالة، بحث في مسألة، مناقشة المقرر من قبل المتابع نهاية الأسبوع.

          يحرص على استقطاب الطلاب النجباء في البرنامج.

وإليك جدول تقريبي:

المستوى: الأول             للفترة الزمنية من تاريخ  /     إلى تاريخ  /           البرنامج: مطالعة

الكتاب

المدة الزمنية

المتابع

التكليف

لذة العبادة

3 أيام

فلان

بحث في مسألة

2- الملتقى التربوي: (جلسة أسبوعية يتناول فيها المربي القضايا التربوية الهامة التي تصقل نفوس الشباب، وتهذب سلوكهم، وتنمي فكرهم).

ونلفت النظر إلى أمور:

– أن اختيار نوعية الطلاب يكون بناء على مدى تفتق أذهانهم، وأهليتهم لها.

– اختيار العدد المناسب فيها ما أمكن بحيث لا يتجاوز العشرة مثلاً.

– تجنب الأماكن التي تجذب الفضوليين والفوضويين وقت اللقاء ما أمكن.

3- عقد دورات تربوية تنطلق من معين القرآن والسيرة مثل دورات بعنوان:

– رباهم القرآن.       – صفات الجيل القرآني الفريد.     – معالم تربوية في القرآن.

ويراعي فيها الآتي:

– قصر المدة بحيث لا تتجاوز أسبوعاً ولمدة ساعة في اليوم.

– المادة المقترحة تكون في مستوى الفئة المعنية.

– التحريص على اختيار الشخصية الشيقة في طرحها وإلقائها مما يترك أثراً أبلغ في نفوسهم.

4- تفعيل الزيارات التي لها صدى تربوي عميق في نفوسهم كـ(زيارة المشايخ، والدعاة، حلقات متميزة، مراكز علمية، جاليات، منطقة منكوبة…) ويكون لكل زيارة نشاط مصاحب مناسب لجهة الزيارة.

5- حملات دعوية تستهدف جوانب التفريط والقصور، والإهمال والإغفال عند الطلاب مثل:

– حملة فَجْرُنا في مسجدنا.

– حملة فلنتطوع (النوافل: صلاة، صيام، صدقة…، يتم حث الطلاب على النوافل وترغيبهم في الأجر والفضل).

– حملة إكرام النعمة. (المقتنيات الفائضة "ملابس، دفاتر، أقلام، مصاحف، فرش، بطانيات، أدوات المطبخ" تجمع ثم توزع على الفقراء).

– حملة تعظيم الشعائر. (رفع الأوراق التي تحمل اسم الله، ووضعها في صناديقها المخصصة ثم إحراقها).

– حملة اسمعه غيرك (الشريط الإسلامي).

– حملة أضف إلى حيك ومسجدك (أفكار ومقترحات).

– حملة الربح الكبير (الأذكار وثوابها، والنوافل وأجرها).

– حملة خذ بيده (للمقصرين والمتخلفين عن الصلوات جماعة عن المسلمين في المسجد وهذا لا بد أن يتصدره المسؤولون).

ويراعى الأتي:

– أن يرافق كل حملة جملة من الأنشطة والبرامج والوسائل الخادمة لأهدافها.

– الصخب الإعلامي للحملة.

– تفعيل المحفزات للتفاعل معها.

– مدة كل حملة أسبوع.

6-  أترك أثراً في بيتك: يحض عليه الطلاب؛ ليفيض الدور التربوي للحلقات إلى خارجها، ويحمله طلابها إلى أهاليهم وذويهم الذين يرتقبون الأثر والثمرة من فلذات أكبادهم المنطوين تحت سقف هذه الحلقات القرآنية.

وهناك أنشطة يحسن أن يقوم بها طلاب الحلقة خدمة لأهاليهم، ويكون دور المعلم توجيه الطالب، وإفادته حول هذا العمل ليتقنه ويقوم به على بصيرة، فمن ذلك:

– تلقين سورة الفاتحة وبعض سور القرآن لمن لا يجيد ذلك.

– تعليم الكيفية الشرعية للوضوء والغسل والصلاة لمن يجهلها.

– دعوة أفراد الأسرة لحضور بعض الأنشطة التي تقيمها المدرسة كالدروس، والمحاضرات العامة، وحفلات التكريم.

– توجيه الطالب ليكون قدوة حسنة لإخوانه وذويه في بر الوالدين، وصلة الرحم، والالتزام بالسلوك الإسلامي الحميد في سائر تصرفاته.

– تعليمه الآداب الشرعية وأورادها المتكررة، وحثه على نقلها إلى أهل بيته وأرحامه وأقاربه مثل: (آداب الطعام، اللباس، دخول المنزل والخروج منه، ركوب السيارة والنزول منها، دخول الخلاء والخروج منه، …)

7- لائحة على سماء الرقي والتميز للأعمال الملفتة:

تعد لوحة للمتألقين تحمل عنوان: على سماء الرقي أو في ركاب التألق تصنف إلى قسمين:

القسم الأول: المتألقون في جانب الحفظ والمراجعة والانضباط.

القسم الثاني: المتألقون في الأفكار الرائعة والأطروحات البارعة التي تخدم رسالة المدرسة من أمثال:

مبدع الحرف: رسالة مؤثرة، أدبيات جادت بها القرائح، مقالة جميلة…

رائد الفكرة: صاحب فكرة تطويرية للمدرسة، أو طريقة مبتكرة في الحفظ والمراجعة، أو وسيلة معالجة لقضية معضلة في المدرسة…

خطيب المنبر: أفضل إلقاء، أو مشاركة مدرسية…

تصرف مبهر: تكون عامة يوضع فيها الأعمال المفلتة للطلاب التي في غير التصنيف كالأكثر استقطاباً للتحفيظ، والأكثر تعاوناً مع إخوانه، الأكثر تفاعلاً في الأنشطة، الأكثر حرصاً على الجماعة أو الصف الأول…

8- برنامج مخرجات المدرسة (إعداد أفلام وثائقية، شريط قراء المدرسة، أو خطباء المدرسة، أو منشدي المدرسة…).

9- اليوم الإيماني، ويفضل أن تنعقد فعالياته في مكان مختلف عن مسجد الحي والمدرسة، وتكمن إيجابيات اختلاف المكان في أمرين:

          الخروج من رتابة الجو المألوفة.

          أمكن للأثر في النفس.

ويمكن أن يشمل برنامج اليوم الإيماني الأتي: (الاعتكاف، قيام الليل، إلقاء خواطر، سماع شريط، القراءة المفتوحة، استضافة داعية، زيارة مقبرة…).

10- برنامج نتطلع: وهذا يتم من خلال تهيئة مجموعة من الطلاب أصحاب القدرات والمواهب للمشاركة في بعض الوسائل الإعلامية المتاحة (إذاعية، فضائية، مدرسية، صحفية…).

11- برنامج دُلَّه على الهدى (يستهدف المجالس العامرة، والنوادي الشبابية، والمخيمات الدعوية، والشخصيات المنقطعة عن المسجد…)، وننبه إلى أمور لا بد منها:

– التنسيق المسبق.

– إعداد الفعاليات، ويحبذ أن تشمل (قراءة مقاطع قرآنية بأصوات ندية، موعظة مؤثرة، إهداء أشرطة وكتيبات وسيديهات دعوية…).

– أن يرافق أحد المعلمين المجموعة القائمة بالنشاط.

أيها المربون:

إن ما ألمحنا إليه من البرامج التربوية عائد في المقام الأول إلى طبيعة الحلقة، وطبيعة الطلاب، وما سطرناه بين الثنايا إنما هو لتوسيع مداركك، وتفتح ذهنك، ولا بد أن تضع بصمتك ولن تعدم.

* توصيات أخيرة:

          الجهد الجهد.

          استفرغ الوسع.

          استعن بالله ولا تعجز.

          ما حملته الرجال خف.

          أوصيك بالتمعن الطويل، والتدقيق في الفكرة لتسعد بالنتائج.

ختاماً:

فلك أيها القارئ – من هذا المقال – صفوه، ولواضعه كدره، وهو الذي تجشم غراسه وتعبه، ولك ثمره، وها هو قد استهدف لسهام الراشقين، واستعذر إلى الله من الزلل والخطأ، ثم إلى عباده المؤمنين"3.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.


 


1 أخلاق حملة القرآن للآجري (37) تحقيق: أحمد شحاته الألفي السكندري، ط. الأولى (1426هـ-2005م).

2 إحياء علوم الدين للغزالي (3/73) دار المعرفة – بيروت.

3 مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيم (1/47)، دار الكتب العلمية – بيروت.