هل كأس العالم رياضة بريئة

هل كأس العالم رياضة بريئة

الشيخ/ محمد صالح المنجد

الجمعة 21/6/1431هـ

عناصر الموضوع:

1.    الجسد نعمة يجب العناية بها

2.    العلاج نفقاته مرهقة.. فمن للمحتاجين؟

3.    الرياضة في الإسلام.

4.    الرياضة والصحة.

5.    رياضة العصر وهوسها.

6.    الرياضة لا تكون بارتكاب المحظورات وترك الواجبات.

7.    الرياضة والإعلام الفاسد.

8.    أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟.

9.    تخدير الشعوب من عمل يهود.

10.   اعتراض سفينة الحرية ليست الجريمة الأولى ولا الأخيرة.

11.   اليهود  في حقيقتهم جبناء.

12.   بين حصار الشعب وحصار غزة تشابه ولعل الفرج قريب.

13.   رحيل العلماء مصيبة عظيمة على الأمة.

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الجسد نعمة يجب العناية بها

الحمد لله الذي جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، وأنعم علينا بنعمة الأجساد التي هي نعمة من نعم الله تعالى، وقد قال نبينا – صلى الله عليه وسلم -: ((وإن لجسدك عليك حقاً))، لذلك كان ينبغي صيانة الجسد ورعايته، وتقويته وإعداده لطاعة الله – عز وجل -.

ولما كانت الحياة الدنيا دار اللأواء والنصب والتعب، وكان الإنسان تعرض له الأعراض ومنها هذه الأمراض؛ كان علاجها من حق الجسد.

العلاج نفقاته مرهقة.. فمن للمحتاجين؟

وقد شرع الله لنا أنواع العلاجات، وقد صار العلاج اليوم من الأمور المكلفة الباهظة الثمن، التي تؤخذ فيها الأموال الطائلة، وكثير من الناس لا يقوون على العلاج، فلو رأيت هذا المسكين ساعة حملت امرأته، والمفترض فيه الفرح، إذا بالغم يعكِّر على فرحه، إذ كيف سيدفع فاتورة الولادة، ولو كانت تتطلب عملية قيصرية فماذا سيكون الحال؟

وإذا كان الطفل خديجاً يحتاج إلى حاضنة صناعية فالويل ثم الويل من تلك الفاتورة.

وقل مثل ذلك عن الذين يصابون بأمراض الفشل الكلوي وغيره من الأمراض التي تستلزم نفقات باهظة في العلاج، لذلك كان ينبغي على أغنياء المسلمين المساهمة في إقامة أنواع الدور الصحية العلاجية لمثل هذه الأمراض التي تتطلب نفقات كثيرة، فتقام من صدقات المسلمين، أما الزكاة فإنها تُدفع للإنسان إذا صار عليه دين من العلاج؛ لأنه يكون غارماً إذا كان لا يستطيع أن يوفي بنفقات هذا العلاج.

والمساهمة ولا شك في هذه الأمور التي تعالج الأجساد، أو تخفف عن الإنسان المعاناة ليقوم بطاعة الله (( اشف عبدك ينكأ لك عدواً، أو يمشي لك إلى صلاة )) لا شك من أبواب الطاعات.

الرياضة في الإسلام

ولما كان العلاج بالوقاية أمراً مهماً كان من حق الجسد أن يُعتنى به في أمور متعددة من الغذاء والرياضية والحمية ونحو ذلك.

والرياضة في الإسلام من الأمور المباحة التي فيها القيام بشأن هذا الجسد من جهة حقه ((إن لجسدك عليك حقاً))، ومن جهة الأخذ بأسباب القوة، ومحبة الله تعالى لصاحب ذلك كما قال – عليه الصلاة والسلام -: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) فإذا صلحت نية من راض نفسه بهذه الرياضة، وجسده ليصلحه، واحتسب في ذلك الأجر؛ فإنه يناله ما دام قد تعاطى سبباً مباحاً يحقق مصلحة شرعية.

ومجيء السنة بالحث على أنواع الرياضة والمسابقة فيها مما يدل على ذلك، وحث الصحابة على الرماية والسباحة وركوب الخيل والعدو من ذلك أيضاً، وكان عمر يغطس مع ابن عباس – رضي الله عنهم – ويقول: تعال أباقيك أينا أطول نفساً (أي تحت الماء).

الرياضة والصحة

وهذه الرياضة مما يحمي من أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم والسكر، ويعين على خفض أمور من الرواسب الضارة والدهون والفضلات، وكما ذكر ابن القيم – رحمه الله – في فوائد الرياضة أنها تعود البدن الخفة والنشاط، وتجعله قابلاً للغذاء، وتصلب المفاصل – أي تجعل المفاصل صلبة قوية – وتقوي الأوتار والعضلات والرباطات.

وقال – رحمه الله – كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل، والصراع (أي المصارعة مثل الذي كانت عليه العرب في هذا)، والمسابقة على الأقدام؛ فرياضة للبدن كله، وهذه قالعة لأمراض مزمنة، والتخلي عنها وعدمها من أسباب الخمول والكسل، ويزيد القلق والتوتر والأرق، ويؤدي إلى أنواع من هشاشة العظام، وتيبس المفاصل، والآلام المزمنة، ويجعل الجسم في حال ارتخاء وضعف، وتتعثر أعمال للأعضاء ووظائف إذا لم تكن هنالك حركة، وفي الحركة بركة.

وقد صار من أمراض عصور الترف المتأخرة مرض السكري، وتصلب الشرايين ونحو ذلك.

رياضة العصر وهوسها

ولا شك أن الرياضة هي حركة لبدن الرياضي، وهذه الحركة والقوة هي سبب الفائدة، وليس التسمر في المشاهدة، والإغراق في التعصب وما يسمى بالتشجيع؛ من الرياضة في شيء.

ولا شك أننا نعيش في هذه الأيام هوساً عالمياً يتمثل فيما يحصل من التأهب في هذه المقالات الورقية، والكتّاب والمعلقين، والمقاهي والفنادق، والشاشات المتطورة، وتقنية ثلاثية الأبعاد، وكثير من الخلق على أحر من الجمر، وازدياد في مبيعات المطبوعات المخصوصة بهذا، واستكتابات وتعبيرات، وعناوين برَّاقة، وألفاظ خلابة، وتشويق ودفع، وحشد وتحميس، واستعمال الألفاظ من جنس النصر، والفوز، والفلاح التي لو رأيتها في الكتاب والسنة لعلمت ما هو النصر الحقيقي، والفوز الحقيقي، والفلاح الحقيقي قال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (سورة آل عمران:185).

فالجنة ونيلها هو الفوز العظيم، ونصر الله – عز وجل – هو النعمة الكبيرة، إذ ينصر الله عباده من أهل الإيمان في الدنيا والآخرة {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(سورة غافر:51) ، وطاقة التشجيع يجب أن تنصرف إلى الحث على الفضائل، والتمسك بها، ورفع الإيمان واللحاق بركاب أهله، فينبغي أن يكون التشجيع للكبار والصغار على التمسك بالدين.

عباد الله:

وتجتاح الحمى الآن الشبكات والقنوات والمجالس، ولا شك أن هذا مما يريب، وليست القضية بريئة إطلاقاً، وقد قال الله – سبحانه وتعالى -: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(سورة الأنعام:32)، وعندما يرى الإنسان ما يوجد في المنتديات وغرف الحوار وغير ذلك من مجامع الناس حتى تأثرت الاختبارات والامتحانات الدراسية بجداول المباريات، وأنواع الدوام والأشغال، بل إن بعض الأطباء قد يعتذرون عن المناوبات في المستشفيات لأجل المتابعات الرياضية ناهيك عمن هو دونهم من الطلاب والموظفين، وانتقال الهوس إلى النساء أيضاً حتى أضحى العامل والبطّال، والمثقف والعامي، والطالب والأستاذ كلهم في هذا الهم سواء، هذا يطالب بتصرف حيال الاختبارات، وذا يرهن داره وسيارته لتوفير تذكرة سفرٍ لحضور تلك المباريات، بل تجارة الأصباغ والأدهنة على السيارات والوجوه، وإعداد الرسائل والمنتديات لحال فوز وخسارة ونحو ذلك لا شك أن هذه الحمى ليست حمى بريئة، فالمسلم يتحمس ولا شك لأمور كثيرة من الطاعة والدين، والمباح له حجم معين في حياة المؤمن، فهو ينال منه ما يعينه على الطاعة، وكان الهدف من الترويح في الإسلام هو الإعانة على الطاعة، وإجمام النفس حتى لا تمل من الطاعة، أما أن يكون الترويح في حد ذاته هو التعب والنصب وخسارة المال والأعصاب وضرر العين وما يعتري النفس من أنواع الشد والجذب.. فأي عاقل هذا الذي سيضيع ما فيه مصلحة دنياه من اختبار ونحوه من أجل هذه الجلدة المنفوخة؟!

الرياضة لا تكون بارتكاب المحظورات وترك الواجبات

عباد الله:

إن الدين قد حث على رعاية الجسد في تلك الحركة لا في ذلك التسمر، وارتفاع الضغط، وثوران الأعصاب، وأن يصبح للناس عقيدة ودين، وربما يغار بعضهم من أجلها ما لا يغار مثله على دينه، ولا تسل عن صلبان ترفع – لأنها أصلاً في أعلام وشعارات -، ولا عما ينفق من المليارات الطائلة، وصفقات القمار، وتعويذات وشعارات تُباع بالأموال، والتشفير يغضب، وثمن بطاقة الاشتراك في هذه القنوات المخصوصة لأجل ذلك بالملايين المملينة، والإنسان مسؤول عما سينفق، ومن العجب السؤال عن حكم فك التشفير من أجل مثل هذا!

هذه الأموال سيُسأل العباد عنها من أين اكتسبوها، وفيمَ أنفقوها، وإنفاق المال لبناء الأجساد، وصيانتها من الرياضة، والعلاج؛ أمر محمود حسن، لكن عندما تنفق ثلاثة مليارات لحقوق نقل، وستمائة مليون من الدولارات من شركات الإعلان والرعايات في خزينة الفيفا، ونحو ذلك مما سيكون فيه دفع وخسارة على قوم ليصبَّ في جيوب آخرين.

والعجب من بعض الأمم التي يزعمون فيها التقدم أن خمسة وعشرين بالمائة من أبنائهم سيتغيبون عن العمل، وطلب الإجازات الخاصة لمثل هذا، والناس في أزمة مالية.

اضرب برجلك كي تحوز قبولا هذا زمان الرِجْلِ لا زمن الحجا أنفق حياتك في الملاعب حاضناً ودع العلوم لمن أراد خصاصة فلأنت من قوم تسوَّد فيهم والراقصات الكاشفات بطونها وبنو التفكر والتعلم ضِيَّعٌ كسدت بضاعتهم وجف رواؤها حتى غدا جني القرائح سلعة يا صاح قد دال الزمان فداست هذا زمان الرِجْلِ لا زمن النُّهى

 

 

وتكون في هذا الزمان جليلا ذبلت زهور ذوي العقول ذبولا كرة تكون إلى مُناك سبيلا وأحَبَّ فقراً أو أساغ خمولا اللاعبون رياضة والضاربون طبولا والصادحون العازفون طويلا ذاقوا المرارة بكرة وأصيلا لم تشف من ظمأ العطاش غليلا لم تجدِ في ساح الفخار فتيلا الأقدام أفهاماً لنا وعقولا فاضرب برجلك كي تكون جليلا

 

 

الرياضة والإعلام الفاسد

ودخلت تجارة البغاء على الخط، وعصابات الرقيق الذي يسمى بالرقيق الأبيض يزحفون نحو الجنوب في تلك القارة السوداء، ولا شك أنه عمل كبير، وموسم للمومسات، والأمراض من بعد ذلك.

كانت بيوت سليمة من تلك الأطباق التي تنقل ما تنقل؛ فإذا بالضغوط على الأبوين أحدهما أو كلاهما من أجل إدخال ما ترى به هذه المناسبات بالساعات الطويلة، والاحتشاء الدماغي، والتأزم النفسي، وتداول الكلام في المجامع، وحصول مشاجرات ومضاربات، وبذاءات وطلاقات، كل ذلك حاصل ووارد، كراهية وبغضاء، وعداوة وشحناء، وأيضاً صد عن ذكر الله وعن الصلاة.

يقوم ولو في نصف الليل لأجل مناسبة كهذه، ولو كان عنده اختبار وامتحان لأجَّل ذلك، فأيهما أهم؟ وعلى أيهما تعول المنفعة والفائدة يا عاقل: في هذا أو في هذا؟! لماذا الجنون؟ ولماذا كل هذا الحماس والركض؟ وإذا كانت القضية أيضاً فيها شعارات وطقوس دينية حتى رَسَمَ الصبيان الصغار الصلبان عند إحراز الأهداف! وهكذا يقتبسون ويلتقطون من الشاشات بعد إحراز الأهداف وغيرها، بل وتأتي الكاميرات على العواري العاريات في تلك الساحات والمدرجات، ولم تسلم الرياضة التي لا يمكن أن تكون بريئة أبداً من السحر والتنجيم، والكهان والدجالين والمشعوذين وهكذا.

دخل العالم في ثقافة من التغيير، ولو كانت رياضة مباحة بريئة، وحركة جسد مهم للجسد؛ لقلنا بأن هذا هو العقل، لو كانت فرجة مباحة يسيرة على قوم ليس لديهم منكر يحضرهم فيتابعهم لقلنا: لا حرج، ولكن يا عبد الله لو تجردت عن الهوى، ونظرت النظرة الفاحصة؛ لعلمت بأن هذه القضية بهذا الطرح ليست بريئة، وأن إدخال العالم في هذا الموضوع بهذه الأسلوب ليس بريئاً.

أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

عباد الله:

{إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} (36) سورة محمد، وقال ربنا – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(سورة الحديد:20).

أيهما فيه الفائدة: مشاهدة ومتابعة الرياضة أم لحاق صلاة الجماعة في المسجد – وبالمناسبة سيكون افتتاح كأس العالم في وقت صلاة الجمعة -؟

وأيهما الذي فيه الفائدة الحقيقية: أن يستيقظ المرء لقيام الليل، أم لمشاهدة هذه المناسبة التي لو حصلت وجاء وقتها في ليل لكان حريصاً للغاية على الاستيقاظ كما حصل في مونديالات سابقة؟!

يحرص على الاستيقاظ ليلاً ولو في الساعة الثانية لا لقيام الليل، ولا لمناجاة الرب، ولا لأن الله ينزل إلى السماء الدنيا، ويقول: هل من سائل؟ هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ ولكن لأجل هذه المنفوخة بين الأقدام.

كل عاقل يعلم أن كل هذا لا يمكن أن يكون شيئاً بريئاً، وبعض العقلاء يقولون: احترنا، ولا نكاد نستطيع أن نفعل شيئاً؛ لأن كل الجو هكذا، ولكن سددوا وقاربوا، وبشروا بالخير والأجر وشجعوا عليه.

لا بد أن يكون عند المسلم عقل يحرص به على ما ينفعه في الدنيا والآخرة قال تعالى:َابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} هذا في الدرجة الأولى {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}(سورة القصص:77)، من رياضة جسد، ومحافظة عليه، وترويح مباح، وتفريج وإدخال سرور على الأهل، والمسلمين، ومداعبة مباحة ليس فيها كذب، ولا سخرية، ولا محظور، ومزاح مباح يؤجر به الإنسان إذا قصد إدخال السرور على إخوانه المسلمين.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الإخلاص في الغضب والرضا، ونسألك نعيماً لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.

اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله بكرة وأصيلاً، والحمد لله حمداً كثيراً، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله، أشهد أنه رسول الله حقاً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله الطيبين، وذريته وأزواجه، وخلفائه والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

تخدير الشعوب من عمل يهود

عباد الله:

لقد جاءت بروتوكولات يهود بأنهم وراء هذا الإشغال، والتخدير، والغشيان الذي يُغشي عقول أناس وأعينهم، قالوا بأنهم سيلهون الأميين حتى لا يعودوا يعرفون ماذا يُراد بهم، وقد ذكر علماؤنا – رحمهم الله – أن اليهود هم أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم عن الرحمة، وأقربهم إلى النقمة، امتلأت قلوبهم بالحسد لأهل الإيمان والحقد عليهم حتى قال الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}(سورة المائدة:82)، وعندما كثرت جرائمهم في البر حتى ضاق بها البر؛ رحَّلوا الجرائم إلى البحر حتى يكون له نصيب من جرائمهم.

اعتراض سفينة الحرية ليست الجريمة الأولى ولا الأخيرة

وهذه الجريمة التي فعلوها من قتل المسلمين الذين جاؤوا لإسعاف إخوانهم في عرض البحر ليست بأول جرائمهم، ومن الخطأ أن تُعزل هذه الجريمة عن مسلسل الجرائم السابقة للأمة الغضبية عبر التاريخ، وعلينا أن نتذكر جيداً أن ربنا حشر عدداً من جرائمهم في سورة النساء في تسع آيات متوالية قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ}{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}(سورة النساء:155)، وهذا قالوه لنبينا – عليه الصلاة والسلام – حتى يُيَئِّسوه.

{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً}(سورة النساء:156) حين رموها بالزنا في الحيض، وهذه دناسة ونجاسة عقول ونفوس اليهود، إذ رموا مريم أعبد أهل زمانها بالزنا في الحيض مع رجل هو من أولياء الله الصالحين!! {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ}(سورة النساء:157)، يتفاخرون بذلك، ويعتبرونه إنجازاً، وما قتلوه وما صلبوه وإنما ألقى الله شبهه على آخر، ورفع عيسى إلى السماء، وسينزل آخر الزمان ليقتل قائد اليهود الأكبر الدجال.

وقال سبحانه: {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً}(سورة النساء:160)، وهذا الإلهاء والإشغال والتخدير هو من صدهم عن سبيل الله.

قال تعالى: {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}(سورة النساء:160-161)، وهكذا هي الجرائم الكثيرة التي قصَّها الله علينا.

إذاً: فهذه حلقة ضمن سلسلة لهذه الأمة الملعونة يرتكبونها عبر التاريخ، فهم لا يرقبون في أحد إلاً ولا ذمة، ولا عهداً ولا ميثاقاً، ووحشيتهم ظاهرة، وهم جبناء؛ لأن بطشهم على العزل كما رأى العالم، واليهود قوم بهت، فالكذب عندهم من أسهل الأمور، فقد زعموا كذباً وجود سلاح لدى هؤلاء الذين جاؤوا للنصرة والإغاثة، وتحججوا وزوّروا أفلاماً، وحاولوا أن يظهروا بمظهر المدافع عن نفسه، وكانت رسالتهم إلى المسلمين وإلى العالم هي: "هكذا نفعل، فمن يتجرأ سينال المصير".

بين حصار الشعب وحصار غزة تشابه ولعل الفرج قريب

وقد حصل – ولله الحمد – في هذه الحادثة من أنواع المكاسب للمسلمين الشيء الكثير، وكانت فضيحة لأولئك اليهود، وكان رباطاً بين المسلمين، فعندما يأتي هؤلاء النفر في السفن من بلاد إسلامية متنوعة، ويتضامن معهم بعض غير المسلمين من عقلاء العالم الذين لم يرضوا بالظلم الذي هو مكروه لدى النفوس عموماً في العالم، وكان واضحاً من هذه الهبَّة العالمية ما أخفق به اليهود من الترويج لأنفسهم كما حصل في المدة السابقة، فقد بدأت العورات تتكشف، والأقنعة تتساقط أمام الكفار الآخرين.

وصحيح أن الغضب والشجب والتنديد لا يفيد كثيراً، لكنه بداية لإزاحة الغطاء عن هؤلاء السفهاء، {لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}(سورة النور:11).

وقد مضى من الشهداء من المسلمين إلى الله من مضى برصاص هؤلاء اليهود، وكان هذا الانكشاف للعالم أمراً مهماً، وكان هذا الترابط بين المسلمين أمراً أهم، وإظهار التعاطف من المسلمين لإخوانهم كذلك، ولم تقتصر القضية الآن على عرب يغيثون عرباً؛ بل دخل من المسلمين من غير العرب من دخل على الخط في هذه المرة فسالت دماؤهم، وسبق إلى الأذهان تلك العثمانيات التي مضت وأيقظت في عقول المسلمين إيقاظات مهمة تذكرهم بحماية الخلافة للمسلمين في العالم.

ومن المهم جداً في بلد قامت فيه العلمانية بسوقها أن يحدث مثل هذا الحدث الذي يستعيد به كثير من الشعب المسلم هناك شخصيته الإسلامية، وتاريخه وامتداداته مع السنين.

لا يأس مع الدعاء فهو سلاح المؤمن، والحصار في شِعب أبي طالب وصل فيه الأمر إلى أن بعض الكفار قام يريد أن ينقض الصحيفة التي كُتب عليها ذلك الحصار الظالم، فرأوا الأَرَضَةَ قد أكلتها، فخَرْق الحصار قام به بعض الكفار في العهد النبوي.

وقد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت، فقد رأينا أموراً مما تسر الخاطر، فهذه سفينة وقف شريت بأموال لتوقف لهذه الإسعافات والإغاثات، صورة من الوقف جديدة، وكذلك ذلك الرجل الذي بلغ الثالثة والستين من عمره يعلن إسلامه على ظهر سفينة مرمرة عندما تأثر بهذا الجو المحيط.

اليهود  في حقيقتهم جبناء

عباد الله:

إن لله في خلقه شؤوناً، وحكماً ربانية، وقد ظهر جبن اليهود عندما استطاع هؤلاء المسلمون العزل أن يمسكوا بثلاثة منهم بال أحدهم على نفسه؛ فكان في ذلك فضيحة لهذه الشجاعات الكومندوزية المزعومة، وهؤلاء كما قال الله: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}(سورة الحشر:14).

رحيل العلماء مصيبة عظيمة على الأمة

عباد الله:

في زمن الانحرافات المنهجية يرحل عالِم من أهل التأصيل وهو الشيخ عبد الله بن غديان – رحمه الله -، وفي زمن فوضى الفتوى يرحل رجل من أهل الانضباط الفقهي، وفي عالم الطيش والعجلة يرحل رجل من أهل التروي والتأمل والأناة، وفي عالم الماديات يرحل رجل من أهل الزهد، وفي عالم الرويبضات يرحل رجل عظيم، وقامة علمية كبيرة، وفي عالم التخلي عن الواجبات يرحل هذا القدوة والمعلم، فما أعظم المصيبة نسأل الله أن يأجرنا فيها، وأن يخلفنا فيها بخير

لعمرك ما الزرية فقد مال ولكن الرزية فقد حر

 

 

ولا شاة تموت ولا بعير يموت بموته خلـــق كثير

 

 

نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يتغمد موتى المسلمين برحمته، وأن يدخلهم جناته، وأن يرفع درجاتهم، ويكفِّر عنهم سيئاتهم.

ونسأله – سبحانه وتعالى – أن يدخلنا الجنة مع الأبرار، وأن يعافينا ويعفو عنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يجعلنا في أوطاننا آمنين مطمئنين، ويرفع عنا الغلاء والوباء والبلاء ، وأن يختم لنا بخير، ويرزقنا الجنة ويباعد عنا عذاب النار، إنه سميع الدعاء.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.