أيها المسلمون مدوا أيديكم

أيها المسلمون مدوا أيديكم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

لما قدم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى المدينة؛ كان أول عمل قام به هو بناء المسجد، ثم أتبعه بأن آخى بين المهاجرين والأنصار، وأوجد فيما بينهم أخوة الدين، ولذا امتن الله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – فقال: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}1، وقد جعل الله – عز وجل – قد جعل نصر المسلمين، وعزَّهم بنصرة دينه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}2، "فكيف ينصر المؤمنون الله؟ يكون ذلك بأن يجعلوا لله في نفوسهم أن تتجرد له، وألا تشرك به شيئاً لا شركاً ظاهراً ولا خفياً، وألا تستبقي فيها معه أحداً ولا شيئاً، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها، ومن كل ما تحب وتهوى، وأن تحكِّمه في رغباتها ونزواتها، وحركاتها وسكناتها، وسرَّها وعلانيتها، ونشاطها كله وخلجاتها، فهذا نصر الله في ذوات النفوس.

وأن يعلموا أن لله شريعة ومنهاجاً للحياة تقوم على قواعد وموازين، وقيم وتصور خاص للوجود كله، وللحياة، ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه، ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء، فهذا نصر الله في واقع الحياة"3.

وقد جعل الله المسلمين بعضهم لبعضهم إخوة في الدين، وهي علامة الإيمان وشرطه قال – تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}4، وأوجب النبي – صلى الله عليه وسلم -، وبموجب الأخوة؛ النصرة العملية من المسلم لأخيه المسلم فقال في حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً))5.

وها نحن اليوم يتأكد واجب النصرة علينا لإخواننا في غزة، حيث ينبثق هذا الواجب من أخوَّتنا في الدين، مقابل هذا الاتحاد العالمي الغربي الذي تقوده إسرائيل ضد أهل غزة، وهذه الهجمة الشرسة التي خلفت مآسي وآلام، فقد خلفت مئات الشهداء، وآلاف الجرحى، ويتامى لا يجدون حنان الأب، أو شفقة الأم، وآيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، وآباء وأمهات حرموا أولادهم فاعتاضوا عن الفرحة بالبكاء، وحلَّ محل البهجة الأنين، وجموع من إخواننا المسلمين شردهم الطغيان، ومزَّقهم كل ممزق، فإذا هم بنار العدو يكتوون، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار.

ألا فمدوا أيديكم – أيها المسلمون – لمواساتهم، وتضميد جراحهم، وتخفيف آلامهم.

أيها المسلمون: إن إخواننا وأهلينا في غزة يحاصرهم القريب قبل البعيد، متعاونين مع يهود لأكثر من سنة ونصف أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، يضربون عليهم سياجاً لا ينفذ إليهم منه شيء، حتى توقفت الحياة، وشلَّت الحركة؛ فلا غذاء، ولا ماء، ولا دواء، ولا كهرباء، تُرِكُوا أيام الحصار ليموتوا موتاً بطيئاً أو سريعاً، وفي ظل رعب لا ينقطع، ولم يقف العدو وأذنابه عند هذا الحد بل ختم كل هذا بالاعتداء الغاشم، والحرب الضروس التي تنصل فيها من كل معاني القيم الأخلاقية، والتعليم الرباني، والرحمة الإنسانية، وفُقِدَ في أرض العزة كل الحقوق الإنسانية، بل كل الحقوق الحيوانية.

أيها المسلمون: إن نصرة أهل فلسطين وغزة كانت واجباً شرعياً منذ أمد بعيد، وهي اليوم أوجب وآكد، وإن الله سائلنا عن التفريط بأرض فلسطين وأهلها، وإن الله سائلنا عن جوعة طفل يتيم ودمعته، وبكاء أرملة واستغاثتها، وعن كل قطرة دم تهدر بظلم يهود وجبروتهم، وبتواطؤ ضعاف النفوس من العرب والمسلمين أو المستسلمين.

أيها المسلمون: إن نصرة أهل فلسطين، والدفاع عن أهل غزة؛ واجب قامت على وجوبه أدلة الكتاب والسنة، نصرة واجبة في حدود المستطاع، وإن من المستطاع بذل المال، وهو جهاد وأي جهاد، وبطريق أولى على الدول الإسلامية ممثلة في حكامها، ومطلوب منهم أن ينصروهم بأكثر مما نصروهم، وأن يقدموا أكثر مما قدموا، حيث يستطيعون نصرة فعلية مؤثرة بأدوات وأساليب أهمها العون مالياً، والضغط دولياً، ودبلوماسياً، وسياسياً، ووقف دعم العدو الصهيوني بأي شكل من أشكال الدعم، قياماً بالواجب الشرعي والإنساني تجاه دينهم وشعوبهم وأمام التاريخ، وحتى يعلم اليهود أن للمسلمين في فلسطين وغزة أنصاراً وأولياء {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.6

ومع تصاعد وتيرة الغارات الصهيونية على قطاع غزة المحاصرة، واستمرارها وسط تواطؤ عالمي على المستوى الرسمي؛ تزايدت حدة الغضب الشعبي تجاه المذابح الصهيونية التي تُرتكَب بحق أهالي قطاع غزة، وهنا يبرز أهمية استغلال الفرصة هذه المرة، وعدم الصمت، وأهمية الضغط خلال الفترة المقبلة بقوة حتى يتم كسر الحصار، ووقف العدوان.

وهناك عدة وسائل لنصرة إخواننا في غزة، وتلبية نداءات استغاثاتهم، ولن نتطرق إلى الخيار العسكري، والمواجهة العسكرية؛ لأنا نعلم أن هذا الخيار بعيد المنال، من هذه الوسائل:

       امتداد الغضب الشعبي، وهو بحد ذاته وسيلة قوية لإحياء الرسالة، وتعرف الأمة أن هذه القضية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية الأمة بأسرها؛ لأن فيها انتهاك واضح للأمة، ولمقدساتها.

   التركيز على البُعد العقائدي؛ لأن فيه إحياءاً لهذه القضية في نفوس المسلمين، وينبغي أن يكون الكلام من المنطلق الديني العقدي؛ لأن اليهود يخوضون هذه الحرب إحياء للقضية من منطلقها الحقيقي، وتسمية لها باسمها، وكذا ينبغي علينا إحياء البعد الوطني، وهو ضرورة لتعريف العالم ان هذا الكيان كيان غاصب، لا يمتلك في هذه الأرض شبراً واحداً.

   تبنِّي استراتيجية إعلامية واضحة، وعلى القائمين على الإعلام أن يتحرروا من التبعية، وأن يبرزوا هذه القضية في الإعلام بقوة ووضوح؛ لتصل الرسالة بقوة إلى الشعوب غير المسلمة كافة، وليعلم العالم أجمع أن هذا الكيان غاصب، وظالم.

   ابتكار وسائل شعبية جديدة، والإبداع في طرق الاحتجاج؛ كي يستمر الحماس في نفوس الجماهير، ولإزالة الملل من السير بالقضية في خط واحد.

   تفعيل المقاطعة الشاملة لكل ما هو غربي، وقطع الدعم العربي والإسلامي لليهود بمختلف أشكاله، ونواحيه: السياسي، والثقافي، والاقتصادي…الخ، ودعم الشعب الفلسطيني، بل وتفعيل أشكال الدعم، وإحيائه في نفوس الجماهير بالمال وبكل ما نستطيع من أشكال الدعم المادي والمعنوي.

إن حصار غزة – بل حصار فلسطين، وحصار الشعوب العربية – بدأ منذ زمن بعيد، فلماذا نستغرب هذا الحصار؟ ونرى أنه تتويج للظلم والصلف؟ ألم تحاصر صبرا وشاتيلا إلى حد انتفاخ الجثث وتحللها؟ فماذا قدم لنا الغرب حتى يبرر لنا أن نطلب السلام منه، أو حتى مجرد بصيص أمل في السلام منهم؛ لأنه طلب مجحف من مهزوم لا يعرف حقاً ماذا يريد؟ وممن يريد!، والشعوب هي نتاج رموز الهزيمة منذ ضياع فلسطين، وضياع العراق، فمالنا نفقد الوعي أحياناً لنطالب نتاج الهزيمة، والخيانة؛ بالانتصار للعدل والحرية، ونذهب لطلب السلام المزعوم من أناس هم من أوجدوا لنا هذا الواقع المرير.

نسأل الله أن يهدي شعوب المسلمين، وأن يردهم إلى دينهم مرداً جميلاً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 سورة الأنفال (62-63).

2 سورة محمد (7).

3 بتصرف من ظلال القرآن (6/443).

4 سورة الحجرات (10).

5 البخاري (2263).

6 سورة الحج (40).