عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي

عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي

 

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، الحمد لله الذي هدانا ووفقنا لسلوك الطريق المستقيم، والصلاة والسلام على خير مبعوث رحمة للعالمين، البشير النذير، والسراج المنير، أخرجنا الله برسالته من الظلمات إلى النور، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد بينت الأحاديث النبوية الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يخرج في آخر الزمان رجلاً من أهل بيت النبوة يُؤيد به الدين، ويحكم الأرض سبع سنين؛ فيملأها عدلاً وسلاماً كما مُلئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة الإسلامية في عهده بنعم لم تنعم بها قط، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد قال الإمام الحافظ المؤرخ ابن كثير رحمه الله تعالى: "في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم"1.

اسمه كاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون اسمه محمد بن عبد الله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه"2، يكون ظهور هذا الإمام من جهة المشرق حيث جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه وإن كان فيه مقال كما هو عند الإمام ابن ماجة3، والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين4، وقوَّى إسناده وصححه الحافظ ابن كثير5، وضعفه الألباني6 رحمة الله على الجميع، وفيه: ((يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة…)) قال ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: "والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان؛ فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعم جهلة الرافضة من أنه موجود فيه إلى الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لا من كتاب، ولا من سنة، ولا معقول صحيح، ولا استحسان…" وذكر كلاماً إلى أن قال: " ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه، وتكون راياتهم سوداً أيضاً وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال لها "العقاب"7أ.هـ.

والمراد بالمهدي: هو الذي بشر به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان، وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف بل وموضوعة8.

وهذه الأحاديث توضح أن خروجه في الناس بعدما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت جوراً وظلماً كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج في آخر أمتي المهدي؛ يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة يعيش سبعاً أو ثمانياً)) يعني: حججاً"9.

والروايات الكثيرة تبين لنا أنه من آل البيت ومن ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها منها حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المهدي من عترتي10 من ولد فاطمة))11، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة))12، وغيرها من الأحاديث الدالة على أنه من بيت النبوة.

ومن صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المهدي مني، أجلى الجبهة13، أقنى الأنف14، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين))15.

وقد نص كثيرٌ من الأئمة على تواتر الأحاديث في المهدي تواتراً معنوياً نذكر بعضاً منهم:

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم"16، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض، وترتجي ظهوره من سرداب في سامراء، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر … وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث"17، ويقول الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري رحمه الله: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد18 بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه"19، ويقول العلامة محمد السفاريني رحمه الله في المهدي: "وقد كثرت بخروجه (أي المهدي) الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدَّ من معتقداتهم"20، ويقول أيضاً: "وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة"21، ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة: "قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها"22.

وخرَّج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم كما ذكر ذلك صاحب عون المعبود: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والبزار، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل: علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة بن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم23.

يقول الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وتواترها تواتر معنوي لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها، ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقاً وإرشاداً للناس.

وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره، وكما قال ابن القيم وغيره: فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها أخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده سواء كان صحيحاً لذاته أو لغيره، وسواء كان حسناً لذاته أو لغيره، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضاً فإنها حجة عند أهل العلم … والحق أن جمهور أهل العلم بل هو كالاتفاق على ثبوت أمر المهدي، وأنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك"24.

فبهذا يُعلم أن المهدي ثابت عند أهل السنة والجماعة، وأنه سيظهر في آخر الزمان كما ثبت ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بنقلٍ متواترٍ تواتراً معنوياً كما تقدم من أقوال أهل العلم.

نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه، ونسأله الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل بمنه وكرمه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


1 انظر: النهاية في الفتن والملاحم (1/29) للإمام الحافظ أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، ضبطه وصححه: الأستاذ عبده الشافعي، دار الكتب العلمية – لبنان – بيروت، ط1، 1408هـ – 1988م.

2 النهاية في الفتن والملاحم (1/31).

3 رواه ابن ماجة برقم (4084)، دار الفكر – بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

4 رواه الحاكم في المستدرك برقم (8432) للإمام محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 1411هـ – 1990م.

5 النهاية في الفتن والملاحم (1/26).

6 وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة برقم (887).

7 النهاية في الفتن والملاحم (1/26).

8 قال الإمام ابن القيم رحمه الله بمعنى ذلك في المنار المنيف في الصحيح والضعيف (148) إذ قال: هذه الأحاديث أربعة أقسام: صحاح وحسان، وغرائب، وموضوعة، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، ط2، 1403هـ، وكذا قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام (42).

9 رواه في المستدرك برقم (8673) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (711).

10 والعترة هي: ولد الرجل لصلبه، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة كما قال الخطابي في معالم السنن (4/474).

11 رواه أبو داود برقم (4284)؛ وابن ماجة برقم (4086)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (3301)؛ وفي صحيح الجامع برقم (6734)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (11680).

12 رواه ابن ماجة برقم (4085)؛ وأحمد بإسناد ضعيف كما قال الأرناؤوط في المسند برقم (645)؛ والحاكم في المستدرك برقم (86750) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (3300)؛ وصححه في السلسلة الصحيحة برقم (2371)؛ وفي صحيح الجامع برقم (6735).

13 والأجلى هو: الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته. كما في النهاية في غريب الحديث غريب الحديث والأثر (1/290) لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية – بيروت، 1399هـ – 1979م.

14  والقناة في الأنف: طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (4/116).

15 رواه أبو داود برقم (4285)؛ والطبراني في الأوسط برقم (9460)، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، ‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة، 1415هـ؛ وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (6736).

16 منهاج السنة النبوية (4/95) لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ.

17 النهاية في الفتن والملاحم (1/49).

18 باب لد: بالضم والتشديد بلدة معروفة في فلسطين، قريبة من بيت المقدس، وهي التي ببابها يدرك عيسى عليه السلام الدجال فيقتله. كما في معجم البلدان (5/15) لياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، دار الفكر – بيروت.

19 انظر: في تهذيب التهذيب (9/144) للحافظ أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار الفكر – بيروت، ط1، 1404هـ – 1984م.

20 لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية (2/84) للعلامة شمس الدين أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، مؤسسة الخافقين ومكتبتها – دمشق، ط2، 1402هـ – 1982م.

21 المصدر السابق.

22 الإشاعة في أشراط الساعة (236) للشريف محمد بن رسول البرزنجي، دار المنهاج، ط 1، سنة 1417هـ.

23  انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/361) للعلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط2، 1995م.

24 مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (4/99)، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.