الشعر العذب

الشعر العذب

 

الحمد لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:

فمع أعذب الشعر نقف، ومن بحره نستقي، ومن ثمره نقطف زهرةً؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لعمرو بن الشريد – رضي الله عنه -: ((هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت))؟ قال: هيه قال: ((أنشدني))، حتى أنشده مائة بيت1، وقيل لسعيد بن المسيب: إن قوماً بالعراق يكرهون الشعر، فقال: "نسكوا نسكاً عجيباً"؛ ذلك لأن الشعر من أعظم ما جادت به ألسنة العرب، وهو عنوان لغتها وبلاغتها، وسجل حوادثها وتاريخها، وترجمان أخلاقها وعاداتها، وكان أحب إليهم من غيره، وأرفع قدراً، وأعظم شأناً، فهي أكثر اشتغالاً به، وأكثر حفظاً ورواية له، وأعظم حرصاً عليه، ولذلك فقد نقل إلينا من أشعارهم أكثر مما نقل من منثورهم.

ومن إعظامهم لشأن الشعر قرنوه بالكهانة والسحر؛ لأن كلاً منهما يغير الأشياء في مرأى الإنسان ومخيلته بأساليب تأثيرية نافذة، فتأثير الشعر في نفوسهم أشبه بتأثير السحر، حتى قال قائلهم:

رواية مراً ومراً شاعراً                لقد خشيت أن تكون ساحراً

ولعلنا أن نقطف من ثمار الشعر أينعها، ونشرب من بحوره أعذبها، ونتأمل في روعته وجماله، وفنه وذوقه:

من أجمل ما قيل في الثناء على الله:

إليك وإلا لا تشد الركائب                   ومنك وإلا فالمؤمل خائب

وفيك وإلا فالغرام مضيـع                   وعنك وإلا فالمحدث كاذب

ومن أجمل ما قيل في الثناء على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

وأحسن منك لم تر قط عيني                  وأجمل منك لم تلد النسـاء

خلقت مبرئـاً من كل عيب                 كأنك قد خلقت كما تشاء

ومن أجمل ما قيل في الرثاء قول الشاعر في علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -:

فليتها إذ فدت عمروا بخارجة                 فدت علياً بمن شاءت من البشر

وأصدق بيت قالته العرب بيت حسان:

وإن أصدق بيت أنت قائله                   بيت يقال إذا أنشدته صدقاً

وقيل إن أفضل بيت في الفخر قول حسان:

ويوم بدر إذ يصد وجوههم                   جبريل تحت لوائنا ومحمد

وقالوا: أفضل بيت في الغزل بيت علي بن الجهم:

عيون المها بين الرصافة والجسر               جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وقيل إن أجمل ما قيل في الدمع قول السعدي الشيرازي:

بكت عيني غداة البين دمعاً                   وأخرى بالبكا بخلت علينا

فعاقبت التي بالدمع ضنـت                  بـأن أغمضتها يوم التقينا

وقيل إن أهجى بيت قالته العرب بيت الأخطل:

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم              قالوا لأمهم: بولي على النار

وقيل: أجمل بيت في المدح بيت جرير في عبد الملك بن مروان:

ألستم خير من ركب المطايا                   وأندى العالمين بطون راح

وأشهر بيت في الهجاء بيت جرير في بني نمير:

فغض الطرف إنك من نمير          فلا كعباً بلغت ولا كلاباً

وأشهر بيت يردده الصغير والكبير بيت المتنبي:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه                   تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ومن أغرب الشعر قول الشاعر:

حلموا فما ساءَت لهم شيم سمحوا فما شحّت لهم مننُ

سلموا فلا زلّت لهم قـدمُ رشدوا فلا ضلّت لهم سننُ

وهذه الأبيات عند قراءتها بالعكس فإنها تعكس المعنى تماماً.

وفي الختام:

تم الكلام وربنا المحمـود            وله المكارم والعلا والجود

ثم الصلاة على النبي محمد           ما ناح قمري وأورق عود


 


1 رواه مسلم برقم (2255).