يوم عرفة ويوم القيامة
حمداً لله على نعمائه، والشكر له على آلائه، والصلاة والسلام على خير أنبيائه، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من المواقف والأيام العظيمة الفاضلة التي تدعو الإنسان إلى التأمل فيها، والاتعاظ بها: يوم عرفة، يوم يقف جموع الحجيج في وقت واحد، وفي مكان واحد، وفي لباس واحد، يتذكر الحاج بذلك كله يوم القيامة؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين؛ في يوم: مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ سورة المعارج(4).
ذلك اليوم الذي تظهر فيه أهوال عظام، وأخطار جسام؛ “فيه انشقاق السماء وانفطارها، وتكور شمسها، وانكدار نجومها، وتناثر كواكبها إلى غير ذلك من أفزاعها وأهوالها، وخروج الخلق من قبورهم إلى سجونهم أو قصورهم بعد نشر صحفهم وقراءة كتبهم وأخذها بأيمانهم أو بشمائلهم من وراء ظهورهم في موقفهم؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت1.
ففي يوم عرفة حري بكل مسلم ومسلمة حاجاً أو غير حاج أن يتذكر موقف الناس بين يدي الله -تبارك وتعالى- حُفاة، عُراة، غُرلاً، بُهماً؛ كما جاء ذلك في السنة الصحيحة من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يُحشر الناس يوم القيامة حُفاة عُراة غُرلاً). قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: (يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)2. و(غُرلاً) أي غير مختونين.
ذلك أن في يوم عرفة يقف الحجاج في جبل عرفات فيتشابه مع يوم القيامة في بعض الأحوال والأمور؛ فمن ذلك: أن المكان واحد، والزمان واحد، والناس قد جمعوا في ذلك المكان والزمان من بقاع مختلفة من الأرض، ولا يملكون لأنفسهم شيئاً، وكذلك المصير مجهول؛ أعني لا يدري الواقف بعرفة هل منَّ الله عليه فغفر له وأعتقه من النار أم لا؟؛ وكذلك مصير الإنسان يوم القيامة؛ لا يدري أيذهب به إلى الجنة أم إلى النار -والعياذ بالله-.
فالمسلم الفطن يأخذ العظة والعبرة من كل حدث يمر به في هذا الكون، ومن ذلك أن يأخذ العظة والعبرة من يوم عرفة، فيتذكر يوم يقف بين يدي الله -تعالى-، فيسأله ربه عن كلما قدمت يداه، فيعد للسؤال جوباً، وللجواب صواباً- وليكثر المسلم من قول: “لا إله إلا الله”؛ فإنها كلمة الإخلاص والتوحيد، وهي مفتاح باب الجنة؛ نسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
ليحرص من ليس بحاج على أن يصوم ذلك، وليعظم الله وليوحده، وليخلص العبادة له وحده لا شريك له، وليدعوه بأن يغفر الزلات، ويستر العورات، ويكشف الكربات، ويجمع المسلمين على كلمة الحق والدين، وأن ينصر المجاهدين، وأن يفك أسر المأسورين من المسلمين، وأن يقضي الدين عن المدينين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.