انظر من أين تأخذ عقيدتك

 

انظر من أين تأخذ عقيدتك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه الميامين، أما بعد:

فقد ثبت عن العرباض بن سارية رضي الله عنه في حديث صحيح أن النبي   قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))1

وهذا الحديث نرى فيه وصية النبي   عند اختلاف الأمور بالتمسك بسنته وسنة خلفائه الراشدين، وكيف أنه جعلها عاصماً للإنسان من الانحراف والزيغ والظلال لأنها منبع صافي يأخذ منه الإنسان عقيدته ودينه كما قال  : ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))2.

ومع وضوح هذا الأمر والطريق إلا أن كثيراً من الناس تاهوا وظلوا الطريق – والموفق من وفقه الله، وجنبه الزلل -؛فغدا بعضهم يأخذ دينه من آراء الرجال وأفكارهم، أو من مجرد ما يمليه عليه عقله، وعقل جماعته وطائفته، وما أشبه هذه الطرق المنحرفة ببعضها البعض، وما أبعدهم عن الاعتصام بالكتاب والسنة.

لهذا حث العلماء على ضرورة أخذ الدين ممن هو موثوق منه ممن يتبع كتاب الله وسنة نبيه   معتصماً بهما على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير القرون، وقد حذروا أيضاً من مجالسة أو أخذ العلم عن الذين عُرفوا بالبدعة والابتعاد عن الكتاب والسنة، وقد أحسن الإمام ابن القيم عندما نصح وبيَّن هذا لأنه كان صاحب تجربة مع أهل البدع حتى وفقه الله بشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فخلصه من ذلك، فقال رحمه الله:

يا قوم والله العظيم نصيحة من مشفق وأخ لكم معوان
جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكن ذا طيران
حتى أتاح لي الإله بفضـله من ليس تجزيه يدي ولساني
حبر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران

 

فالله يجزيه الذي هو أهـله من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه يدي وسار فلم يـرم حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت أعلام المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن
ورأيت آثاراً عظيماً شأنها   محجوبة عن زمرة العميان
ووردت رأس الماء أبيض صافيـاً حصباؤه كلآلئ التيجان
ورأيت أكوازاً هناك كثيرة مثل النجوم لوارد ظمآن
ورأيت حوض الكوثر الصافي الذي    لا زال يشخب فيه ميزابان
ميزاب سنته وقول إلهـه     وهما مدى الأيام لا ينيان
والناس لا يردونه إلا من الآ لاف أفراداً ذوي إيمان
وردوا عذاب مناهل أكرم بها ووردتم أنتم عذاب هوان3

قال ابن شوذب رحمه الله: “من نعمة الله على الشاب والأعجمي إذا تنكسا أن يوفقا لصاحب سنة يحملهما عليها، لأن الشاب والأعجمي يأخذ فيهما ما سبق إليهما”4، وقال عمر بن قيس الملائي: “إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه”5،

وقال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: “إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم”6، وقال المناوي رحمه الله: “أي تأملوا فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله… فعلى الطالب أن يتحرى الأخذ عمن اشتهرت ديانته، وكملت أهليته، وتحققت شفقته،وظهرت مروءته، وعُرفت عفته، وكان أحسن تعليماً، وأجود تفهيماً، ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع، أو دين، أو عدم خلق…”7.

فإذا كان هذا في أمور العبادات فكيف بالعلم الذي يتعلق بالله وأسمائه، وصفاته وأفعاله؛ إنه حري بالشخص أن يأخذه ممن عرف استقامته على منهج أهل السنة والجماعة، ولم تتلوث نفسه بشبهة أو بدعة من بدع أهل الكلام، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

أيها الطالب علماً   إيت حماد بن زيد
فاطلب العلم بحلم ثم قيــده بقيد

 

لا كثور وكجهم   وكعمرو بن عبيد8

وزاد في البداية والنهاية بيتاً:

وذر البدعة مــن   آثار عمر بن عبيد9

فمن عُرِفَتْ عنه السنة والعمل بها فيؤخذ عنه، وكذا تؤخذ العقيدة من كتب أهل العلم المعروفين بالاستقامة على السنة، ومن تلك الكتب:

1- شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي.

2- العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

3- كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب.

4- تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله.

5- فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن.

6- معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي.

وغيرها من الكتب التي اعتنت بعقيدة السلف، وليحذر من كتب أهل الأهواء من صوفية وأشعرية، ومعتزلة وشيعة وغيرهم.

نسأل الله أن يوفقنا للاعتصام بكتابه وسنة نبيه  ، وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه أبو داوود (4607) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/526) برقم (2735)، ط. مكتبة المعارف – الرياض.

2 رواه أحمد (16692)، وقال محققو المسند: “حديث صحيح بطرقه وشواهده”، مسند أحمد (28/367) ط. الرسالة، ط. الأولى (1421هـ-2001م).

3 الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (نونية ابن القيم)(2/570-572) الأبيات من (2287-2300) لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد بن عبدالرحمن العريفي، وناصر بن يحيى الجنيني، وعبدالله بن عبدالرحمن الهذيل، وفهد بن علي المساعد، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع – مكة، ط. الأولى (1428هـ).

4 الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (ص150) لابن بطة العنكبري، تحقيق ودراسة: د. رضا بن نعسان معطي، مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة، ط. الأولى (1423هـ-2002م).

5 الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (ص150) لابن بطة العنكبري.

6 رواه مسلم في المقدمة (1/14)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

7 فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/545) لعبدالرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى – مصر، ط. الأولى (1356هـ).

8 حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/258) لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي – بيروت، ط. الرابعة (1405هـ).

9 البداية والنهاية (10/79) لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، مكتبة المعارف – بيروت.