اغتنام العشر

اغتنام العشر

اغتنام العشر

 

حمدًا لله وشكراً، وصلاةً وسلاماً على النبي تترا، من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، وعلى آله وصحبه الأعظم قدراً، ومن تبعهم بإحسان يبتغي أجراً، أما بعد:

فمن منن الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم مضاعفة الحسنات، وزيادة الأجور، حيث يجزي فيها أضعاف ما يجزي في غيرها من سائر الأيام والليالي.

ومن منن الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم عفو وغفران، تُكَفَّر فيها السيئات، وتمحى فيها الخطايا، وتقبل فيها التوبة، وتبدل الحسنات سيئات لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.

 

ومن هذه المواسم العظيمة عشرة أيام في العام فقد ورد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)1. فهذا الحديث دال على أفضلية العشر الأُول من ذي الحجة، فهي أولاً في الأشهر الحرم، ولها أفضلية خاصة، بنص النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظم فيها الأجور، وتزيد الحسنات، والحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف الله لمن يشاء، ولا شك أن العمل الصالح فيها أياً كان أعظم وأكبر وأحب إلى الله تعالى، بل ولا يساوي العمل الصالح في العشر عملٌ مثله في غير العشر، حتى وإن كان العمل مثل العمل، والفاعل واحداً، والنية واحدة وتساوت مرتبة الإخلاص في أدائه فإن العمل في العشر من ذي الحجة أفضل وأعظم أجراً، كما نص على ذلك النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

والأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة، فمنها الصلاة والإكثار من النوافل وقيام الليل، والدعاء والاستغفار، والذكر بجملته، وصلة الرحم والصدقة وبذل المعروف لكل قربى ومسلم، وقراءة القرآن وحفظه وطلب العلم الشرعي والتفقه في الدين والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل هذه من الأعمال الصالحة، وغيرها كثير.

 

فما على العبد المسلم إلا أن يحرص كل الحرص على اغتنام هذه العشرة الأيام بالعمل الصالح والسعي في مرضاة الله تعالى، وأن يجهد نفسه في تحصيل الأجور والثواب من رب العزة ذي الجلال، وأن يبادر بالطاعة تلو الطاعة، والحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، كما نص عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.2، وكما قال عليه الصلاة والسلام لأمته: (وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)3.

 

ولا يخفى علينا ما للمبادرة من أجر، والله -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر المحسنين، وكما قال -جل وعلا-: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) سورة آل عمران.، وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21) سورة الحديد.

ويحرص العبد لا سيما في مثل هذه الأيام على ما ينفعه ويزوده بالتقوى، امتثالاً لأمر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ)4.

 

وهذه الأيام حرية بالعمل الصالح وأن يجد الإنسان ويجتهد فيها أكثر من غيرها لأنها موسم لا يعوض طوال العام، ومن يضمن لقاءه مرة أخرى؟، فإذا كان الأمر كذلك فالمسلم حريص على ما ينفعه دوماً وهو يتزود فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى(197) سورة البقرة.

أسأل العظيم رب العرش العظيم بمنه وكرمه أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يجعلنا هداة مهتدين إنه هو العزيز الحكيم.


 


1 سنن أبي داود: (2082)، وسنن الترمذي: (688) وصححه الألباني.

2 صحيح البخاري: (41).

3 (صحيح مسلم: (5043).

4  صحيح مسلم: (4816).