الاهتمام بالنجباء

الاهتمام بالنجباء

مواهب الناس وقدراتهم تختلف من شخص إلى آخر، فقد يساوي الرجلُ ألفَ رجلٍ من غيره، وفي المقابل فربما تجد من لا يساوي حتى رُبْعَ رَجُل

والناس ألف منهم كواحد  وواحد كالألف إن أمرٌ عَنَى

فلابد أن يعلم معلم القرآن ومدرس التحفيظ أن هناك ممن يجلس أمامه من الطلبة من سيكون له شأن كبير – بإذن الله تعالى -، وفي صلاحه خير كثير لهذه الأمة، وهذه النوعية من الناس تحتاج من يكتشفها، ولا يقدر على ذلك إلا من له خبرة بفقه الرِّجال كما كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ؛ فإنه في فتح مصر كتب إليه عمرو بن العاص  يستمده، فأمده بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل، وكتب إليه عمر بن الخطاب: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، وقال آخرون: بل خارجة بن حذافة الرابع لا يعدُّون مسلمة”1.

ومن ذلك ما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – في صفة الصفوة حين قال: “وعن عمر بن الخطاب  أنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءةً ذهباً؛ أنفقه في سبيل الله ​​​​​​​، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءةً لؤلؤاً، وزبرجداً، أو جوهراً؛ أنفقه في سبيل الله ​​​​​​​؛ وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أتمنى لو أن هذا الدار مملوءةً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح”2.

وقال عمر بن الخطاب  عن الزبير بن العوام : “لو تركت تركة، أو عهدت عهداً؛ لعهدت إلى الزبير؛ إنه ركن من أركان الدين، وقال: من عهد منكم إلى الزبير فإنه عمود من عمد الإسلام”3.

ونحن في حلقات القرآن التي تقيمها إدارة المسجد؛ نريد أن نتعامل مع النجباء كما ينبغي وذلك باكتشافهم، والاهتمام بهم، والتعامل معهم بما يناسبهم، وفي بداية الأمر لا بد أن يتم اكتشاف النجباء من بين المجموعة الطلابية التي تحتويها مدرسة التحفيظ، وفيما يلي بعض الطرق الموصلة إلى ذلك – بإذن الله – ومنها:

– معرفة مستوى الطالب في الحفظ والمراجعة، وتقديره العام في ذلك.

إقامة المسابقات القرآنية، والثقافية، وبخاصة المسابقات الإلقائية التي تكون بين الطلاب سواء مجموعات أو فرادى.

معرفة مقدار تفاعل الطالب في الأنشطة المتنوعة التي يقوم بها التحفيظ، فيكتشف إبداع كل طالب في مجال معين، فتجد من يبدع في الجانب الثقافي: في الإلقاء، أو الخطابة، أو المشاركة في سمر، وتجد من يبدع في النشاط الاجتماعي، وغيره يبدع في النشاط الرياضي، وهكذا.

– من خلال علاقة الطالب بالآخرين فإن ذلك يكشف نجابته وفطنته، فيُعرف في علاقته مع المدرسين، ومن خلال تعامله مع زملائه إن كان فيه صفة القيادة أو غيرها من الصفات الحميدة.

إلى غير ذلك من الوسائل والطرق.

وإذا عُرف الطالب النجيب فإنه سيحتاج إلى اهتمام خاص، وهذا الاهتمام لا بد أن تحفُّه توصيات ومحاذير في رعاية النجباء:

1- العناية باختيار المعلم الذي سيتولى رعاية النجيب، فليس كل المعلمين يجيدون التعامل مع النجباء.

2- الموهبة لا توجد ناضجة كاملة مثمرة، فلا بد لها من صقل وتدريب، وتنمية عن طريق برامج معينة، ومن النقد الموجه للأنشطة الطلابية وبرامجها (وعموم البرامج الدعوية) أنها غثائية لا تعني بالكيف؛ ما زالت تخاطب الجميع الخطاب نفسه، وباللهجة نفسها، فإذا اشترك مثلاً 400 شخص في نشاط ما (نجد منهم: العابد، وطالب العلم، والمسرف على نفسه، ومنهم من جاء يشغل فراغاً، وآخر لا يعلم سبباً لمجيئه، وهؤلاء كلهم يجمعون في مكان واحد ليتلقوا المعلومة نفسها، والتوجيه نفسه، وعلى أحسن الأحوال فإنه قد يفصل الأطفال عن الكبار.

فأي نوع من التربية الذي نطمح إليه من خلال هذا الطرح؟ وبم يختلف هذا الأسلوب عن قراءة كتيب، أو توزيع شريط؟ ولماذا نشتكي من عدم وجود قيادات جديدة مؤهلة، ونشتكي من تكرر الوجوه على مر السنين؟ لماذا نشتكي من ذلك إذا كانت برامجنا لا تتسع لتقوية الضعفاء، ولا لتحديث القدماء، ولا لتمييز الطاقات؟ ولسنا نجد تشبيهاً لفعلنا هذا إلا بطبيب يحقن جميع مرضاه على اختلاف علاتهم بدواء واحد، فيشفى هذا، ويقتل هذا؛ والسبب هو الخطأ في الدواء، هذا ونحن نتغافل عن إجابات الرسول  المختلفة لسؤال واحد هو: أوصني يا رسول الله! فيأتي الجواب تارة بالحث على الصلاة، وتارة بعدم الغضب، وأخرى ببر الوالدين؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لا يحمل إجابات متسرعة ومجهزة يقدمها لكل من يسأل، وإنما يعطي كل سائل حسب طاقته، وحاله.

إننا إذا تعاملنا مع هذه المئات بهذه الكيفية فإنما نحمل وزرهم؛ لأننا نظلم ذلك المتعطش المتلهف، فنبطئ من سرعة تحصيله، ونطفئ فيه رغبته لمعرفة الحق، وعلى الصعيد الآخر فإننا قد نرمي بهذا الخطاب العام بسهام تصيب أولئك المستجدين فتجعله آخر العهد بهم!!”4.

“3- علاج المشكلات المتولدة لدى النجباء مثل (العُجب)، وعدم اعتبارها عقبة تصرف عن الاهتمام بالنجيب.

4- اعتماد أسلوب التشجيع والحفز المعنوي والمادي، فهو أدعى لتحريك المواهب وإطلاقها.

5- التوجيه للقراءة الفردية الموجهة (ومن ذلك إهداء كتب معينة حسب الموهبة).

6- إعطاء كل ذي حق حقّه، فالاعتناء بالنجباء لا يعني التقصير في حق بقية الطلاب.

7- عدم إهمال أو احتقار الأشخاص لمجرد مظاهرهم، فكم من شخص أُحتقر ونظر إليه بازدراء؛ وما زالت الأيام تدور حتى برز وظهر كمبدع موهوب، وفي التاريخ القديم والحديث أمثلة كثيرة.

8- من خصائص النجباء سرعة الملل والسأم من الشيء الرتيب، ولديهم تمرد على القوالب والأنظمة، فينبغي أن يحرص المعلم على التجديد والتطوير، والابتكار ما أمكن، وأن يتحلّى بالتسامح، وتشجيع التعلم الفاعل، وألا يجعل الأنظمة والتعليمات قيوداً تحجزه، أو تحجز الطالب المريد للتعلّم بطريقة مختلفة قد تخرج عن المسارات المقررة.

9- أن يعلّق المعلم الطالب النجيب بهدف نبيل يسعى إلى تحقيقه، وهذا أدعى إلى انتهاض همته، وإثارة طاقاته سعياً إلى هدفه.

10- معايشة المعلم للطالب النجيب خارج الحلقات بالزيارات والرحلات والمشاركة في النشاطات الأخرى (نشاط المكتبات، نشاط المسرح …الخ).

11- الحرص على تحقيق النموّ المتوازن لديهم بحيث تُهيأ لهم الظروف والبيئة المناسبة لإنماء مواهبهم وانطلاقها”5.

فتكرس الجهود الجادة للاهتمام بالنجباء، وتطويرهم حتى يبلغوا المرتبة الطيبة، والدرجة العالية، فينفعوا أنفسهم وأمتهم، ويقودوا من خلفهم إلى كل خير.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يحفظ لهذه الأمة دينها، وأن يعلي شأنها، وأن يصلح ما أفسده الأعداء من اليهود، والنصارى، والمنافقين.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 فتوح مصر وأخبارها (1/138) لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله عبد الحكم بن أعين القرشي المصري، تحقيق: محمد الحجيري، دار الفكر – بيروت 1416هـ/ 1996م، ط. الأولى.

2 صفة الصفوة (1/367-368) لعبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، تحقيق: محمود فاخوري ود. محمد رواس قلعه جي، دار المعرفة – بيروت 1399هـ – 1979م، ط. الثانية.

3 الوافي بالوفيات (14/122) لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث – بيروت1420هـ- 2000م.

4 مقال بعنوان “توصيات ومحاذير في رعاية النجباء” للأستاذ أحمد بن صامل السلمي، مجلة البيان، عدد (149) (ص135-136) بتصرف يسير.

5 (النجباء وكيفية التعامل معهم) أ. أحمد بن صامل السلمي، موقع المفكرة الدعوية: http://www.dawahmemo.com/show_d.php?id=1047