أشياء ورد الشرع بالنهي عن التشبه بالكفار فيها

 

أشياء ورد الشرع بالنهي عن التشبه بالكفار فيها

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم, معز من أطاعه، وتمسك بحبله المتين، الأمر -جل جلاله – بمخالفة المشركين أصحاب الجحيم، القائل في كتابه الكريم: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}1, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من المعلوم لدى المسلمين أن رسالة نبينا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – ناسخة لجميع الديانات قبلها قال الله – تبارك وتعالى -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}2، وقد شرع لنا مخالفة اليهود والنصارى والمشركين, حيث لا يخفى على كل مسلم أن التشبه بأهل الكتاب حرام سواء في عاداتهم، أو أعيادهم، أو أخلاقهم، أو تقاليدهم أو غير ذلك؛ لأنَّ التشبه بهم يدل على نوع مودة وموالاة، وإن لم يجاهر المتشبه بذلك، وإن لم يورث نوع مودة ومحبة؛ فهو على الأقل مظنة المودة، فيكون محرماً من هذا الوجه سداً للذريعة، وحسماً لعادة حب الكافرين، والولاء لهم؛ فضلاً عن كونه محرماً من وجوه أخرى.

وقد جاء النهي عن مودتهم في كتاب الله حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}3, وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالذات فقط؛ بعكس المتمسكين بهدي سيد الأنام، البعيدين عن مشابهة الأمم الأخرى، فهم أشد بعداً عن مودتهم ومشابهتهم.

وقد ورد الشرع بالنهي عن التشبه بهم عموماً, وهناك أمور منصوص على النهي عن التشبه فيها نذكر بعضاً منها:

أولاً: التفرق والاختلاف في دين الله – تبارك وتعالى -:

فقد نهى الله – تبارك وتعالى – عن التفرق والاختلاف وذلك لما فيه من المشابهة لأهل الكتاب فقال – جل جلاله -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}4 قال الطبري – رحمه الله -: “يعني بذلك – جل ثناؤه – {وَلاَ تَكُونُواْ} يا معشر الذين آمنوا {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ} من أهل الكتاب {وَاخْتَلَفُواْ} في دين الله وأمره ونهيه {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} من حجج الله فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمر الله، ونقضوا عهده وميثاقه جرأة على الله {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ} يعني: ولهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا من أهل الكتاب من بعد ما جاءهم {عَذَابٌ} من عند الله {عَظِيمٌ}، يقول – جل ثناؤه -: فلا تتفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم”5،

وقال – رحمه الله -: قال الربيع في قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ} هم أهل الكتاب نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب قال الله – عز وجل -: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ وقال ابن عباس قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ} ونحو هذا في القرآن أمر الله – جل ثناؤه – المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله؛ وقال الحسن في قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هم اليهود والنصارى”6,

وقال القرطبي – رحمه الله – في الآية: “يعني اليهود والنصارى في قول جمهور المفسرين، وقال بعضهم: هم المبتدعة من هذه الأمة، وقال أبو أمامة: هم الحرورية، وتلا الآية، وقال جابر بن عبد الله: {الَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} اليهود والنصارى جاءهم مذكر على الجمع، وجاءتهم على الجماعة”7, ووجه الدلالة من الآية: أن المراد بالذين تفرَّقوا هم اليهود والنصارى الذين افترقوا على أكثر من سبعين فرقة، ولذلك نهى النبي   عن متابعتهم في نفس التفرق والاختلاف، مع أنه   أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، مع أن قوله: لا تكن مثل فلان قد يعم مماثلته بطريق اللفظ أو المعنى، وإن لم يعم دلّ على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع،ودلَّ على أنه كلما بَعُدَ الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها، وهذه مصلحة جليلة8؛

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة))9, ويقول الإمام الطحاوي – رحمه الله -: “ونرى الجماعة أي: الاجتماع والقبول بالإجماع، والاجتماع على ولاة الأمر من المسلمين؛ حقاً وصواباً، والفرقة – وهي مخالفة أهل الكتاب والسنة، ومخالفة أهل الحق، ومخالفة ولاة الأمور من المسلمين – زيغاً وعذاباً”10.

ثم إن الله – تبارك وتعالى – أمر بالاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة فقال – تبارك وتعالى -: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}11، وأخبر – سبحانه وتعالى – أن التفرق والاختلاف من سبل أهل الكتاب كما في آية آل عمران المتقدمة، وأخبر أن الذين رحمهم الله لا يختلفون فقال – تبارك وتعالى -: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}12, وأخبر أن الذين اعتصموا به سيدخلهم الله – تبارك وتعالى – في رحمته فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}13.

ثانياً: رفع القبور عليها واتخاذها مساجد:

لما يحصل من تعظيم لها، وعبادتها من دون الله – تبارك وتعالى – فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: “لما نزل رسول الله   الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صعنوا”14, وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله   قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))15, وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -: “النهي عن رفع القبور كما يفعل اليهود والنصارى”16, وقال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي – رحمه الله تعالى – في منظومة سلم الأصول:

ومن على القبر سراجاً أوقد   أو ابتنى على الضريح مسجداً
فإنه مجدد جهـــــاراً لسنــن اليهود والنصـارى
كم حذر المختار عن ذا ولعن    فاعله كما روى أهل السنـن
بل قد نهى عن ارتفاع القـبر وأن يـــزاد فيه فوق الشبر
وكل قبر مشرف فقد أمـر       بأن يسوى هكذا صح الخبر17

ثالثاً: الافتتان بالنساء:

والمقصود بالافتتان بالنساء إخراجهن عن سمتهن وسترهن وحشمتهن حتى يفتتن بهن الرجال, وخصت النساء بذلك لأمور:

أ‌- لأن النساء يرغبن بهارج الدنيا.

ب- لأن المرأة جبلت على إغراء الرجال والتزين, وكذلك الرجل جُبل على الميل إلى المرأة إذا هي أسفرت, ولم تنزع إلى الحشمة والستر قال الله – تبارك وتعالى -: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}18.

ج- لأنهن ينزعن إلى التقليد والمحاكاة والمبالغة في ذلك, وهذه الخصلة وقع فيها كثير من المسلمين في هذا العصر مع الأسف، وقد حذر النبي   منها فقال كما في حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))19، فأشد فتنة على الرجال هي النساء لحديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما -: عن النبي   قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))20, وإذا تخلى الرجال والنساء عن مبدأ الحشمة والستر فإن هذا هو الطريق والسبيل إلى الفتنة, وفي الغالب فإن الأمة إذا وقعت في هذه الخصلة فإنها تخسر دينها.

رابعاً: ترك الشيب بلا صبغ:

وذلك لما فيه من التشبه باليهود والنصارى، فإنهم لا يصبغون, فأمرنا بمخالفتهم مع تجنب الصبغ بالسواد فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: إن رسول الله   قال: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))21 قال صاحب عون المعبود: “والحديث يدل على أن العلة في شرعية الخضاب هي مخالفة أهل الكتاب، وبهذا يتأكد استحباب الخضاب، وقد كان رسول الله يبالغ في مخالفتهم، ويأمر به22“,

قال الإمام النووي – رحمه الله -: “ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم لقوله  : واجتنبوا السواد”23, وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: “خرج رسول الله   على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: ((يا معشر الأنصار حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب)), قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون, فقال رسول الله  : ((تسرولوا وائتزروا، وخالفوا أهل الكتاب)), قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون قال: فقال النبي  : ((فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب)) قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم قال: فقال النبي  : ((قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب))24, ففي هذا الحديث نهي عن التشبه بأهل الكتاب في أمور منها: عدم صبغ الشيب, ومنها أن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون, ومنها أنهم يلبسون الخفاف بدون نعال قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: ” جاءت السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين، وأجمع الفقهاء عليها فمن ذلك: الأمر بصبغ الشيب لأن اليهود والنصارى لا يصبغون، والفعل المأمور به إذا عبر عنه بلفظ مشتق من معنى أعم؛ فلابد أن يكون المشتق أمراً مطلوباً, ولما دل عليه معنى الكتاب جاءت سنة رسول الله  ، وسنة خلفائه الراشدين، التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم، وترك التشبه بهم.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))25 أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً للشارع، لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط فهو لأجل ما فيه من المخالفة. فالمخالفة: إما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة”26.

خامساً: حلق اللحى وقص الشوارب:

وذلك لما في حلق اللحى من التشبه بأهل الكتاب والكفار فأمر النبي   بمخالفتهم كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله  : ((خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى))27، وعن ابن عمر – رضي الله عنه -: عن النبي   قال: ((خالفوا المشركين وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب))28, وعن ابن عمر – رضي الله عنه -: عن النبي   قال: ((خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب))29؛ وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس))30؛ وورد حديث في فقه السيرة للغزالي في قصة الذين أرسلهما بآذان عامل كسرى في اليمن إلى النبي   بأن يأتيا به: ((ويحكما من أمركما بهذا؟)), قالا: أمرنا ربنا (يعنيان كسرى), فقال رسول الله  : ((لكن أمرني ربي أن أعفي لحيتي، وأحفي شاربي))31.

سادساً: ترك الصلاة في النعال:

وهنا خص اليهود لأنهم لا يصلون بالنعال ولا الخفاف فعن شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم))32

قال الألباني – رحمه الله -: “وحكمة الصلاة في النعلين مخالفة أهل الكتاب كما تقرر،وخشية أن يتأذى أحد بنعليه إذا خلعهما مع ما في لبسهما من حفظهما من سارق، أو دابة؛ تنجس نعله”33, وهذه المخالفة يقع فيها كثير من الجهلة وأصحاب البدع الذين يستنكرون فعل هذه السنة,والصلاة في النعال عند أهل العلم مشروطة بعدم وجود الأذى؛ فإذا كان المسجد مفروشاً، والأرض التي يطأها خارج المسجد غير نظيفة كما هو في المدن؛ فإنه لا يشرع الصلاة في النعال على الفرش، وإنما كان النبي   يصلى على التراب وأرض المسجد حينئذ ليس عليها فراش, ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على هذه السنة إذا خرج خارج المساجد المفروشة بأن يصلي أحياناً منتعلاً امتثالاًً لأمر النبي الكريم   لا على سبيل الدوام لأن ذلك لم ينقل عن السلف.

سابعاً: السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه:

وهو ما يسمى بالتلثم، لأن ذلك من فعل اليهود، والسدل هو أن يطرح الثوب على أحد كتفيه ولا يغطي الآخر, قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “كان سائر الصحابة والسلف يكرهون السدل في الصلاة لأنه من فعل اليهود, وقد روينا عن ابن عمر وأبي هريرة – رضي الله عنهم – أنهما كانا يكرهان السدل في الصلاة؛ وقد روى أبو داود عن سليمان الأحول، وعسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله  : ((نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه))3435.

ثامناً: الاختصار في الصلاة:

والمقصود به وضع اليد على الخاصرة، فإنه من السنة في الصلاة أن يضع الرجل المصلي يديه على صدره، ونهى عن الاختصار لأنه من فعل اليهود قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: “النهي عن الاختصار في الصلاة كما يفعل اليهود”36، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: “نهى رسول الله   عن الاختصار في الصلاة” قال أبو عبد الله العبدي: وهو أن يضع الرجل يده على خاصرته”37.

تاسعاً: الاحتفال بالأعياد والاحتفالات والمهرجانات التي هي لأهل الكتاب:

وذلك لما فيه من موافقتهم، والتشبه بهم، والإحداث في دين الله – تبارك وتعالى – ما ليس منه قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “تقرير الاعتبار في مسألة الأعياد من وجوه:

أحدها: أن الأعياد من الشرائع والمناهج التي جعل الله لكل أمة فيها شرعة ومنهاجاً,وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:

أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ}، كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه, وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي   بقوله: ((إن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا))38,

وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم، لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه”39؛

وقال أيضاً: “وكما لا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد؛ لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضاً لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان به على التشبه بهم كما ذكرناه”40.

عاشراً: ترك أكلة السحر:

أخبر النبي   بأن أهل الكتاب لا يأكلون السحور فهم يصومون بلا سحور, وأرشدنا النبي الكريم  إلى مخالفتهم، وأخبر أن في السحور بركة كما في حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أن رسول الله   قال: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر))41,

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال النبي  : ((تسحروا فإن في السحور بركة))42، وأرشد النبي   إلى عدم التشبه بهم, ونهى عن المشابهة بكل صورها, فإن التشبه بهم دليل على محبتهم فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله  : ((من تشبه بقوم فهو منهم))43 قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم”44.

الحادي عشر: عدم صيام يوم عاشوراء:

وقد ورد الأمر بمخالفة اليهود في صيام يوم عاشوراء, فأخبر النبي   بأن اليهود كانت تصوم يوم عاشوراء, وكانت تعظمه, ولكنهم كانوا يجعلونه عيداً فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: “كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، فقال النبي  : ((فصوموه أنتم))45“, وعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول الله  : ((صوموه أنتم))46 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله تعالى -: “فظاهره أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام”47،

وعن عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – يقول: “حين صام رسول الله   يوم عاشوراء، وأمر بصيامه, قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله  : ((فإذا كان العام المقبل – إن شاء الله – صمنا اليوم التاسع)) قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله  “48, وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: “وعلم أن المخالفة المشار إليها بترك إفراده بل يصام يوم قبله، أو يوم بعده، ويدل عليه أن في رواية الإمام أحمد قال رسول الله  : ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))49 يعني لصوم عاشوراء، وخالفوا اليهود فصوموا قبله يوماً وبعده يوماً؛ فذكر هذا عقب قوله ((لأصومن التاسع)) يبين مراده”50.

الثاني عشر: تأخير الفطور:

وذلك لأن تعجيل الفطور للصائم من السنة، وفي ذلك مخالفة لليهود والنصارى فعن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه -: أن رسول الله   قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))51, وعن أبي عطية قال: قلت لعائشة – رضي الله عنها -: فينا رجلان أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور, قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار، ويؤخر السحور, قلت: عبد الله بن مسعود, قالت: “هكذا كان رسول الله   يصنع”52, وذلك لأن أهل الكتاب يؤخرون كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: عن النبي   قال: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون))53 قال ابن العربي – رحمه الله -: “كما أن السنة تعجيل الفطر مخالفة أهل الكتاب، كذلك السنة تقديم الإمساك إذا قرب الفجر عن محظورات الصيام”54.

وعموماً فإن الشرع الشريف أمر بمخالفة أهل الكتاب في كثير من الأفعال والأقوال, وما ذكرناه من جمع في هذا المقام فإنما هو قليل من كثير، ومن رام المزيد فعليه بمطالعة كتاب شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية – رحمه الله – القيم: “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم”، فهو كتاب قيم للغاية, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


1 سورة الفاتحة (6-7).

2 سورة آل عمران (85).

3 سورة المائدة (51).

4 سورة آل عمران (105).

5 تفسير الطبري (3/385).

6 تفسير الطبري (3/385).

7 تفسير القرطبي (4/162).

8 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/87-88).

9 رواه أبو داود في سننه برقم (4596)؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (203).

10 شرح العقيدة الطحاوية (21/9).

11 سورة آل عمران (103).

12 سورة هود (118-119).

13 سورة النساء (175).

14 رواه البخاري برقم (425)؛ ومسلم برقم (531).

15 رواه البخاري برقم (426)؛ ومسلم برقم (530).

16 اقتضاء الصراط المستقيم (6/26) الشاملة.

17 معارج القبول (1/36).

18 سورة آل عمران (14).

19 رواه مسلم برقم(2742).

20 رواه البخاري برقم(4808)؛ ومسلم برقم(2740).

21 رواه البخاري في صحيحه برقم(3275)ورقم(5559)؛ ومسلم في صحيحه برقم(2103).

22 عون المعبود (11/172).

23 شرح النووي على مسلم (14/80).

24 رواه أحمد بن حنبل في المسند برقم(22337)وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

25 تقدم تخريجه حاشية رقم (21).

26 اقتضاء الصراط المستقيم (4/93).

27 رواه مسلم في صحيحه برقم (259).

28 رواه البخاري في صحيحه برقم (5553).

29 رواه البخاري برقم (5553)؛ ومسلم برقم (259).

30 رواه مسلم برقم (260).

31 فقه السيرة (1/359)، وحسنه الألباني.

32 رواه أبو داود برقم (652)؛ وابن حبان في صحيحه برقم (2186)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح؛ والحاكم في المستدرك برقم (956)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (607).

33 الثمر المستطاب (1/353).

34 رواه أبو داود برقم (643)؛ والترمذي برقم (378)؛ وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (597).

35 اقتضاء الصراط المستقيم (6/18).

36 اقتضاء الصراط المستقيم (6/27).

37 رواه المستدرك برقم (974)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

38 رواه البخاري برقم (3716) عن عائشة – رضي الله عنها -: أن أبا بكر دخل عليها والنبي صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر: مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا اليوم)).

39 اقتضاء الصراط المستقيم (1/208).

40 اقتضاء الصراط (1/227).

41 رواه مسلم في صحيحه برقم (1096).

42 رواه البخاري في صحيحه برقم (1823)؛ ومسلم في صحيحه برقم (1095).

43 رواه أبو داود في سننه برقم (4031)؛ وقال المنذري في تهذيب سنن أبي داود (6/25): “في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو ضعيف”؛ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “هذا إسناد جيد” اقتضاء الصراط المستقيم (1/236)؛ وقال الحافظ العراقي: “سنده صحيح، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند البزار, وعند أبي نعيم في تاريخ أصبهان انظر: كشف الخفاء رقم (2436)؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2384)؛ وقال: حسن لغيره في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2089).

44 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/237).

45 رواه البخاري في صحيحه برقم (1901).

46 رواه مسلم في صحيحه برقم (1131).

47 فتح الباري لابن حجر (4/248).

48 رواه مسلم في صحيحه برقم (1134).

49 الحديث المتقدم.

50 حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (7/80).

51 رواه البخاري برقم (1856).

52 رواه النسائي برقم (2159)؛ وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2159).

53 رواه أبي داود في سننه برقم (2353)؛ وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1075).

54 شرح مختصر خليل للخرشي (6/486).