كيف تتعامل مع الرؤى؟!
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبيه الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فإن ما يراه النائم في منامه على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رؤيا حق. وهي على قسمين:
أ. إما أن تكون مفرحة، فإذا كانت مفرحة فاحمد الله عليها، وإن شئت أن تسأل عن تأويلها فسل، وإن كان لا يلزم من تلك الرؤيا أن تسأل عنها، فإن عاقبتها إلى خير، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (الرؤيا على رِجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت)1.
وقوله: (على رجل طائر) "هذا مثل في عدم تقرر الشيء أي لا تستقر الرؤيا قراراً كالشيء المعلق على رجل طائر. ذكره ابن الملك. فالمعنى أنها كالشيء المعلق برجل الطائر لا استقرار لها. قال في النهاية: أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر، يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت. كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف يكون ما على رجله!".2
ب. أن تكون الرؤيا الحق فيها ما يُحزن المرء إما بدلالة في الرؤيا وإما بما يعبره المعبر، فهذا إذا سأل عنه ربما أحزنه، والذي ينبغي إذا رأى المرء ما يحزنه أن يستعيذ بالله من شرها، وأن يتفُل عن يساره ثم يتحوَّل إلى الجنب الآخر، ولا يخبر بها أحداً. قال -عليه الصلاة والسلام- مرشداً من فعل ذلك: (فإنها لا تضره)3.
القسم الثاني: حديث النفس:
فإن النفس لها أحاديث، فهذا راءٍ رأى في منامه أنه يشرب الماء الكثير جداً، يشرب البحر أو يشرب النهر، أو يشرب عينا غدقة كثيرة فأفزعه ذلك، وإذا مردّ ذلك إما لشبع من طعام لم يشرب عليه ماء، وإما يكون مردّ ذلك لعطشه إذ ذاك أو لتفسير من التفسيرات التي فسّر بها، وليس كل ما يظنه الناس أنه رؤيا يكون في الحقيقة رؤيا؛ بل كثير من الناس يرى ولا تكون رؤياه حقاً؛ بل تكون من أحاديث النفس أو تكون من تسويلات الشيطان.
والرؤى يعتبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، لهذا مما ينهى عنه أن يتعلّق الناس الرجال وبالأخص النساء بالكتب التي تفسّر الأحلام، فكثير من الناس يحصِّل عنده كتباً في تفسير الأحلام، فإذا رأى في منامه شيئاً أسرع من صبيحته إلى ذلك الكتاب.
فتعبير الرؤيا له شروط ويحتاج إلى علم واسع، فأحياناً لا يكون لتفسيره تعلق بالرؤيا البتة، وإنما يكون في الرؤيا كلمة تدل المعبِّر على تفسيره إياها، ويكون معها قصص طويلة، كيف لها شأن بالرؤيا وليس لتفسير الرؤيا بها تعلق، وإنما التعلق بتلك الكلمة وما قبلها وما بعدها من الأحداث.
كذلك من الناس من يرى أشياء مفزعة فيرى تفسيرها بالأمر القبيح، فينظر في نفسه فإذا هو أصبح محزوناً فصار كيد الشيطان عليه متحققاً إذْ أحزنه.
والذي ينبغي أن لا يسعى في ذلك، وإذا أراد فليسأل أهل العلم الذين يعبرون الرؤى ولا يسل أهل الجهالة والتعجّل، فإن كثيراً من الرؤى لا يُعلم تأويلها إلا بشيء من التأمل والنظر، ومنها ما يظهر تأويله، ومنها ما يخفى تأويله، والناس في هذا لهم مقامات.
ومما شاع بين الناس -وهو غلط- أنّ الإنسان إذا رأى أنّ من أسنانه ما سقط، أنَّ ذلك يؤول بفقد أحد أحبته -بموت ابنه أو ابنته أو من يعز عليه-، وهذا ليس بالصحيح إذْ إن الأسنان لها في الرؤى أحوال كثيرة، والأسنان العلوية غير السفلية، والمتقدمة غير المتأخرة، والأضراس غير الأسنان، وهكذا في تفاصيل كثيرة.
والمقصود أيها المؤمن: أن الرؤى من العلم الذي حازه من حازه، والأنبياء يعبِّرون الرؤى بتعليم الله -جل وعلا- لهم، فلا تكن متسرعاً في ذلك بقصّها ولا بأخذ الكلام فيها ولا بتعبير الرؤى إن سئلت؛ لأن ذلك من العلم, فالتعجل في ذلك من الكذب إن لم يكن صاحبه على علم بذلك4..
1 رواه أبو داود برقم (4366) (ج 13 / ص 208) وابن ماجه (3904) (ج 11 / ص 393) وأحمد (15593) (ج 32 / ص 408) وصححه الألباني برقم (3535) في صحيح الجامع.
2 تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (ج 6 / ص 66).
3 رواه البخاري (5306) (ج 18 / ص 30) ومسلم (4197) (ج 11 / ص 350).
4 بتصرف من خطبتي جمعة للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.