السلام وأسراره

 

 

 

السلام وأسراره

الحمد لله الذي أمر بعبادته، وحثَّ عباده للاجتماع على كلمته، والتآلف في طاعته،وصلى الله وسلم على من بعثه ربه ليتمم مكارم الأخلاق أما بعد:

أحبتنا الكرام: مما يجب أن يعتقده كل مسلم صادق أن دين الله الإسلام هو خير الأديان، إذ هو الدين الذي اختاره الله لعباده، وأرسل به رسله، وأنزل لأجله كتبه {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}1، {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}2، ومما يدل على أن دين الإسلام خير الأديان، وأصفاها، وأنقاها، وأعظمها؛ تلك الأخلاق الرفيعة التي دعا إليها حتى جعلت أناساً كثيراً من المشركين والكفار قديماً وحديثاً يسلمون لما رأوه من حسن أخلاق الإسلام، وأهل الإسلام.

وإن من أعظم الأخلاق التي حث عليها الإسلام (خُلق السلام)، فإن سلام المسلم على أخيه المسلم بقوله: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” يبعث في القلوب المحبة والصفاء، ويزرع المودة والإخاء، ويثمر القوة والرفعة والعلا؛ فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي  : أي الإسلام خير؟ فقال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))3، فحرص المسلم إذن على إفشاء السلام يدل على قوة إسلامه وخيريته، “وفى بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل فيه لله – تعالى -، لا مصانعة، ولا مَلقاً لمن تعرف دون من لا تعرف”4.

وعن البراء بن عازب   قال: قال  : ((أفشوا السلام تسلموا))5 “قال القاضي: إفشاء السلام رفع الصوت به وإشاعته، قال: ويستثنى من ندب رفع الصوت بالسلام ما لو دخل مكاناً فيه نيام، فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم أن المصطفى   كان يجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً، ويسمع اليقظان”6، ((تسلموا)) أي ” من التنافر والتقاطع، وتدوم لكم المودة، وتجمع القلوب، وتزول الضغائن والحروب، فأخبر المصطفى   أن السلام يبعث على التحابب، وينفي التقاطع؛ قال الماوردي: وقد جاء في كتاب اللّه- تعالى – ما يفيده قال اللّه – تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}7، فحكي عن مجاهد أن معناه ادفع بالسلام إساءة المسيء”8، وعن أبي هريرة   عن النبي   قال: ((أطعموا الطعام، وأفشوا السلام؛ تورثوا الجنان))9،” أي فعلكم ذلك وإدامتكم له يورثكم دخول الجنان مع السابقين برحمة الرحمن”10، وعن أبي موسى الأشعري   قال: قال  : ((أفشوا السلام بينكم تحابوا))11 “أي تأتلف قلوبكم، وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين، وتناصرهم وتعاضدهم، ولهذا قال بعضهم: إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة، واكتساب أخوة بأهون عطية”12.

وعن أبى هريرة   قال: قال رسول الله  : ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم))13، “ولا تؤمنوا حتى تحابوا معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يصلح حالكم في الإيمان؛ إلا بالتحاب”14، ولا يحصل هذا التحاب إلا بإفشاء السلام، ونشره بين المسلمين.

بل قال   مبيناً فضيلة من فضائل السلام -: ((أفشوا السلام كي تعلوا))15 قال الإمام المناوي – رحمه الله -: “فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم، فاجتمعت كلمتكم،فقهرتم عدوكم، وعلوتم عليه”16، وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله  : ((أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وكونوا إخواناً كما أمركم الله))17

قال الإمام النووي – رحمه الله -: “والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفى إفشائه تكمن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين”18،

وعن عبد الله بن مسعود   قال: قال  : ((إن السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم، إن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كانت له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم السلام، وإن لم يرد عليه ردَّ عليه من هو خير منه وأطيب))19 “قال مجاهد: كان عبد الله بن عمر يأخذ بيدي، فيخرج إلى السوق، فيقول: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأُسلّم، ويسلَّم علي، فأُعطي واحدة – أي كلمة – وآخذ عشراً – أي حسنات -، يا مجاهد: إن السلام اسم من أسماء الله – تعالى -، فمن أكثر السلام أكثر ذكر الله”20.

واسمع أخي إلى هذا الأجر العظيم في الحديث النبوي الجليل الذي يرويه عمران بن حصين   قال: جاء رجل إلى النبي   فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي  : ((عشر))، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: ((عشرون))، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، وقال: ((ثلاثون))21فقال للأول: عشر حسنات، والثاني عشرون، وللثالث ثلاثون؛ لأن كل واحد منهم زاد”22.

ونختم هنا بالمسألة التالية:

إذا سلم المسلم على مسلم واحد فهل يقول له: السلام عليكم، أم السلام عليك؟

قال ابن عثيمين – رحمه الله -: “وهذه مسألة اختلف فيها العلماء، هل إذا سلم على واحد يقول السلام عليك أم عليكم؟ والصحيح أن يقول: السلام عليك، هكذا ثبت عن النبي   كما في حديث المسيء في صلاته أنه قال: السلام عليك”23.

فلا إله إلا الله ما أعظمه من دين، وما أشرفها من أخلاق، إنه الإسلام، حب ووئام،وتصافح وسلام {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}24، فأفشوا السلام بينكم أيها المسلمون.

والحمد لله رب العالمين.


1 سورة آل عمران (19).

2 سورة الحج (78).

3 رواه البخاري برقم (12)، ومسلم برقم (169).

4 إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (1/202).

5 رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (787)، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم (1493).

6 مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني (2/14).

7 سورة فصلت (34).

8 مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني (2/13).

9 أنظر مجمع الزوائد برقم (7871)، وكنز العمال برقم (25842)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1902).

10 فيض القدير (1/537).

11 أنظر كنز العمال برقم (25247)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1966).

12 مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني (2/13).

13 رواه مسلم برقم (203).

14 شرح النووي على مسلم (2/36).

15 أنظر كنز العمال برقم (25249)، ومجمع الزوائد برقم (12733)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1968).

16 التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/361).

17 رواه ابن ماجة في سننه برقم (3252)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1969).

18 شرح النووي على مسلم (2/36).

19 رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (1039)، وقال الشيخ الألباني في تحقيقه للأدب المفرد: صحيح الإسناد موقوفاً وصح مرفوعاً.

20 شرح السنة للإمام البغوي متناً وشرحاً (12/260).

21 أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (19962)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.

22 شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله (1 / 966).

23 شرح رياض الصالحين (1/966).

24 سورة المائدة (54).