إيمانا واحتسابا

إيماناً واحتساباً

إيماناً واحتساباً

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن النية هي أساس قبول الأعمال الصالحة، وبقدرها تكون مضاعفة الحسنات، بل إن النية أحد شروط قبول العمل؛ كما جاء في الحديث المتفق عليه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…).

قال العلامة حافظ بن أحمد حكمي:

شرط قبول السعي أن يجتـ معا فيه إصابة وإخلاص معا

لله رب العـرش لا سـواه موافق الشرع الذي ارتضاه1

فالنية الخالصة أحد قبول العمل، ثم الموافقة للشرع الحنيف، وقد جمع الله هذين الشرطين في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}2. وبقدر النية يكون الأجر والثواب، فإذا كانت النية خالصة وعظيمة كان الأجر على قدرها، وإن كانت النية قد شابها شيء من إرادة الدنيا، فإن أجر العمل يضعف بقدر إرادة الدنيا، بل لربما فقد الأجر بالكلية.

 

ولأهمية النية نجد أن الأعمال كلها مرتبطة بها، ومن الأعمال المرتبطة بالنية: الصيام؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)3. يعني إيماناً بالله، ورضا بفرضيَّة الصوم عليه، واحتسابا لثوابه وأجره, ولم يكن كارها لفرضه ولا شاكًّا في ثوابه وأجره, فإنّ الله يغفر له ما تقدم من صغائر ذنوبه، وأما كبائرها فلابد لها من توبة خاصة، ولما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)4. وعن عثمان بن عفان-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله)5.

 

وقال سلمان-رضي الله عنه-: "حافظوا على الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجوارح مالم تصب المقتلة". وقال ابن عمر لرجل: أتخاف النار أن تدخلها وتحب الجنة أن تدخلها؟ قال: نعم، قال: بر أمك فو الله لئن ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر6.

وبما أن الأجر والثواب متعلق بإحسان النية وإخلاصها كان لابد للإنسان أن يصوم رمضان وهو يحتسب الأجر عند الله، وأن لا يكون صيامه عادة، بل عبادة يتعبد به لله، حتى يعظم أجره.

والله نسأل أن يخلص أعمالنا، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا والصالح من أعمالنا، وأن يكفر السيئ منها. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.



1 معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول(2/1211). الناشر : دار ابن القيم- الدمام. الطبعة الأولى (1410). تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر.

2 سورة الكهف(110).

3 رواه البخاري ومسلم.

4 رواه مسلم.

5 رواه مسلم .

6 جامع العلوم والحكم(170). الناشر: دار المعرفة – بيروت. الطبعة الأولى (1408).