ثمار الإيمان في الحياة الدنيا

ثمار الإيمان في الحياة الدنيا

 

الحمد لله رب الناس، ملك الناس، إله الناس، واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم الصلاة والسلام على سيد الأنام أما بعد:

فإن من أعظم النعم التي أنعم بها الحق تبارك وتعالى علينا، وأهمها؛ نعمة الإيمان، فهي القضية المصيرية التي ينبغي للإنسان أن يهتم بها، وهي السعادة الأبدية.

وهذه النعمة التي نحمده عليها لها ثمار يانعة، وفوائد عظيمة وجليلة يشاهدها كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وإن كانت أكثر من أن تحصى، إذ هي متعددة متنوعة تنوع مواضيع الإيمان، فهناك ثمار عامة في الدنيا، وهناك ثمار في حياة الفرد يجدها في نفسه، وهناك ثمار في المجتمع تشعر بها الجماعة المسلمة، وهناك ثمار في الحياة الأخرى، وهناك ثمار خاصة في كثير من قضايا الإيمان كثمار الإيمان بالله – سبحانه وتعالى -، وما يتفرع عنها من ثمار لتوحيد الرب تبارك وتعالى في ربوبيته وألوهيته، والثمار التي يجدها المسلم في توحيد الأسماء والصفات، والثمار اليانعة التي يجنيها المسلم بالإيمان بالرسل الكرام، وثمار الإيمان بالكتب، وثمار الإيمان بالملائكة، وثمار محبة الصحابة الكرام، وغيرها كثير من الثمرات التي يقطفها المسلم في الدنيا والآخرة.

والإنسان الجدير بحياة التنعم بهذه الثمار هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقاً، ولا يؤذي مخلوقاً، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(النحل:97)، هذه الحياة الطبية في الدنيا، أما في الآخرة فله جنات عدن قال سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(الصف:12).

ثمار الإيمان في الحياة الدنيا:

للإيمان ثمار يانعة، ونتائج طيبة يجنيها المؤمن في الحياة الدنيا، ومن أهم هذه الثمار:

1- الهداية للحق: قال الله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الحج:47)، فأهل الإيمان هم أحق الناس بهداية الله – عز وجل -، وهذه الثمرة (أعني الهداية) من أعظم وأجل الثمار التي يجنيها المؤمن في هذه الحياة.

2- الحياة الطيبة: قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}(النحل:97)، ففي الآية شرط وجواب، فشرط الحياة الطيبة لكل ذكر وأنثى هو الإيمان والعمل الصالح.

3- الولاية: قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا}(البقرة:256)، فهو النصير والمعين لأهل الإيمان يتولاهم بعونه، ولا يكلهم إلى غيره سبحانه، يقول ابن جرير في معنى الآية: "نصيرهم وظهيرهم، ويتولاهم بعونه وتوفيقه"1.

4- الرزق الطيب: قال تعالى: {وَلَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف:96) يقول الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى -: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي: يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها، قيل المراد بخير السماء: المطر، وخير الأرض النبات، والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعم من ذلك…"2.

5- العزة: قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون:8).

6- النصر على الأعداء قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(الروم:47)، فالنصر على الأعداء والظفر بهم من أهم ثمرات الإيمان في الدنيا، فما أهم هذه الثمرة وأحوجنا إليها اليوم ونحن نعيش في مرحلة من الهزيمة والذل لم تعهدها أمة الإسلام نسأل الله السلامة والعافية، وهذا النصر والظفر وعد من الذي لا يخلف الميعاد كما قال الشوكاني – رحمه الله -: "هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين، ومزيد تكرمة لعباده الصالحين"3، ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد}(غافر:51) فهي بشارة لأهل الإيمان بالنصر على الأعداء، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7).

7- الدفاع: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا}(الحج:38)، فالله – عز وجل – هو المدافع عن أهل الإيمان، وهو يعلن الحرب على من يعاديهم فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه…))4.

8- عدم تسليط الكافرين: قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}(النساء:141).

9- التمكين والاستخلاف في الأرض: قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}(النور:55)، وهذه من أعظم الثمار التي تحصل لأهل الإيمان؛ لأنها تتضمن الاستخلاف في الأرض، والتمكين لهم، وجعلهم أئمة الناس وولاة عليهم، وبهذا تصلح البلاد، ويحصل الأمن للناس، وقد حصل هذا للرسول صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(الأنفال:26).

وعندما حققوا الإيمان تحقق لهم الوعد، وهذا الوعد عام لجميع الأمة؛ بشرط الإيمان والعمل الصالح قال الشوكاني – رحمه الله -: "وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من الأمم، وهو وعد يعم جميع الأمة، وقيل: هو خاص بالصحابة، ولا وجه لذلك فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم، بل ويمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة، ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله"5.

فالذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه؛ وعرف لكل ذي حق حقه؛ تجده لا يغمط حقاً، ولا يؤذي مخلوقاً، فيعيش عيشة السعداء، وينعم بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}(النحل:97).

هذه جملة من ثمار الإيمان في الحياة الدنيا، وشرطها الإيمان، وتحقيقه في النفوس والعمل الصالح، وهذه الثمار تتحقق للفرد والجماعة المسلمة، وعدم تحقق هذه الثمار اليوم في المجتمع المسلم يرجع إلى ضعف الإيمان، أو فقد بعض صفات الإيمان؛ "فمن ضعف إيمانه، أو فقد بعض صفات الإيمان؛ لم تتحقق له هذه الثمار كما هو مشاهد اليوم في حال المسلمين، ويوم يعود المسلمون إلى الله تعالى عودة صادقة، ويجددون إيمانهم، ويثبتونه؛ سيجنون هذه الثمار العظيمة إلى جانب ما ينتظرهم من الفوز العظيم في الدار الآخرة"6.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، الحمد لله رب العالمين.


1 تفسير الطبري (3/23).

2 باختصار من فتح القدير (2/332).

3 فتح القدير (4/327).

4 رواه البخاري برقم (6021).

5 فتح القدير (4/69).

6 علم الإيمان (1/23) للشيخ عبد المجيد الزنداني.