أهمية المسجد في نشر الدعوة

أهمية المسجد في نشر الدعوة

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، جعل المساجد أفضل بقاع الأرض، وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، القائل في كتابه الكريم: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (الجن:18)، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فلا شك أن للمسجد أهمية عظيمة في نشر الدعوة منذ بدء انطلاق الدعوة من المدينة المنورة، ومن مسجد رسول الهدى  الذي أخرج للعالم قادة وعلماء لم يكن لهم نظير في أي عصر من العصور على الإطلاق، وعلى هذا النهج سار سلف الأمة الإسلامية في إعطاء المسجد أهمية من حيث نشر الدعوة علماً وعبادة، وعملاً وأخلاقاً وسلوكاً.

فالمسجد هو القلب النابض لدى المسلمين، ومحركهم إلى حمل الدعوة، ونشر العلم والعقيدة، وتوجيه الناس التوجيه الصحيح بالأسلوب الحسن، والوسيلة المناسبة، ويمكن أن نتبين أهمية المسجد في نشر الدعوة من خلال التالي:

  1. توثيق صلة الناس بالله – تبارك وتعالى -، وتقوية إيمانهم وإسلامهم، وتعميق مفهوم العقيدة الصحيحة في نفوسهم، وتحذيرهم مما يضاد ذلك من الشرك بالله – تبارك وتعالى -، والخرافات، والشعوذة.
  2. توضيح معاني العبادة الصحيحة، وما ينبغي أن تكون عليه من موافقة السنة سواء أكانت عبادة ظاهرة أم باطنة، مع التأكيد على الإحسان، ومراقبة الله – تبارك وتعالى -، وخشيته في السر والعلن.
  3. تبليغ سنة النبي إلى الناس، وما كان عليه من سيرة حميدة، وأخلاق عالية رفيعة؛ ليحذوا حذوه، وينهجوا نهجه قال الله – تبارك وتعالى -: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب:21)، وعن عبد الله بن مسعود  قال: قال سمعت النبي  يقول: نضَّر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلَّغه كما سمع، فرُبَّ مبلغ أوعى من سامع 1، وعن زيد بن ثابت  قال: سمعت رسول الله  يقول: نضَّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه2.
  4. إيضاح ما كان عليه سلف الأمة، وعلماؤها، ودعاتها من خير وتقى وصلاح، وكيف أنهم كانوا مصابيح الدجى، وما ينبغي من الاستنان والاقتداء بهديهم، والسير على نهجهم، كما يمكن إبراز تاريخ الأمة الإسلامية المجيد، وكيف كانوا في العلم والأخلاق، والحضارة والفضيلة، ومحاولة ربط حاضر هذه الأمة بماضيها المشرق المجيد.
  5. كما يمكن لخطيب المسجد يوم الجمعة مناقشة ما يهم الناس معرفته، وما أشكل عليهم في حياتهم، وصعب فهمه عليهم، وتقديم الحلول لهم من الكتاب والسنة.
  6. تقوية الصلة بين المسلمين، وإشاعة مفاهيم الإخاء، والبذل، والعطاء، وأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه جزء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر قال الله – تبارك وتعالى -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات:10)، وعن النعمان بن بشير  قال: قال رسول الله : المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر رواه مسلم برقم (2586).
  7. كما لا يخفى ما للوعظ في المسجد من أهمية بالغة في ترقيق القلوب، وتحبيب النفوس  للخير، وترهيبها من الشر والغواية والبدع، وتحذيرهم من الوقوع فيها، وذلك بالأسلوب الحسن، وعدم الإطالة على الناس، وتخولهم بالموعظة كما كان يفعل النبي مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال الله – تبارك وتعالى –: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل:125).
  8. إنشاء حلق العلم في المسجد في مختلف العلوم الإسلامية، وتربية الناس على ذلك؛ وبخاصة الناشئة، وتعويد الصغار على ذلك، وتغذيتهم بالعلم وهم صغار؛ فيشبوا عليه ويحفظوه كباراً قال الله – تبارك وتعالى -: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه:114)، وتشجيعهم على ذلك، وبذل كل ما يساعد على إنجاح هذه الحلقات، ودعمها مالياً ومعنوياً حتى تؤدي رسالتها العظيمة في حفظ كتاب الله – تبارك وتعالى -، وتعليمه وتعلمه، وفي صحيح البخاري من حديث عثمان  عن النبي  قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري برقم (4639).
  9. كما يمكن أن يقوم المسجد بإيواء الضعفاء والمساكين، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وتدبير ما يحتاجه الناس في أوقات الحاجة، وحثِّ المسلمين على مساعدة بعضهم البعض، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي فيما بينهم، وليكن شعارهم هو قول الحق – تبارك وتعالى: – وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة:2)، كما إنه يمكن للمسجد أن يجمع الطاقات، ويحشد الجهود، ويستثمر الخبرات في سبيل إعزاز المسلمين، والرفعة من شأنهم، وحفظ كرامتهم وحقوقهم، وعدم النيل من مقدساتهم، ونشر دعوتهم بين الناس، وهذا من التواصي بالحق، والصبر عليه كما قال الله – تبارك وتعالى -: وَالْعَصْرِ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر:1-3).

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يعيننا على طاعته، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ونسأله أن يوفقنا لتبليغ دينه تعالى، وأن يهدينا ويهدي بنا، ونسأله أن يحفظ للمسلمين مقدساتهم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


1 رواه الترمذي برقم (2657) وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (189)؛ وقال: حسن صحيح في صحيح الترغيب والترهيب برقم (89).

2 رواه أبو داود برقم (3660)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (404).