أتصوم ولا تصلي؟

أتصوم ولا تصلي

 

أتصوم ولا تصلي؟!

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن من تركها جاحدا لوجوبها فإنه كافر بالإجماع؛ لأنه أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، وأما من تركها تكاسلاً، أو تهاوناً بها غير جاحد لوجوبها فإنه كذلك يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة على القول الراجح الذي تؤيده دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.

 

وكذلك الحال في صيام رمضان الذي يعد ركناً من أركان الإسلام، فإن من جحد وجوبه يكفر إجماعاً، وأما إن أفطره تكاسلاً مع إقراره بوجوبه فإنه يكون على خطر عظيم، ومنكر كبير.

والمؤمن يفرح كثيراً أن يرى إخوانه المسلمين يهتمون بصيام رمضان، ويحرصون على ذلك، ولكنه مع ذلك يحزن حينما يرى بعض الناس يتساهلون في شأن الصلاة، ولا يلقون لها وزناً، فنراهم يصومون نهار رمضان، فيجوعون ويضمئون، ويمتنعون عن تناول سائر المفطرات، ومع ذلك لا يصلون في رمضان إلا بعض الصلوات، وأما إذا انتهى رمضان فلا يعرفون مسجداً، ولا يصلون إلا الجمعة نادراً عادة لا تعبداً -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، فهؤلاء على خطر عظيم، ذلك أن من ترك الصلاة فإنه لا حظ له في الإسلام، ومن لا حظ له في الإسلام فإن الله لا يقبل منه صياماً، ولا صدقة، ولا حجاً، ولا جهاداً، ولا أي طاعة من الطاعات؛ وذلك لأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها كما يقول ابن القيم: "فلا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً ولا صدقةً ولا جهاداً ولا شيئا من الأعمال؛ كما قال عون بن عبدالله: إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد، ويدل على هذا الحديث الذي في المسند والسنن من رواية أبي هريرة عن النبي: (أول ما يحاسب به العبد من عمله يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر)1. ولو قبل منه شيء من أعمال البر لم يكن من الخائبين الخاسرين"2. ولأن الله تعالى يقول: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}3. فبين الله -سبحانه وتعالى- أن سبب: "عدم قَبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل وتكذيب رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا يأتون الصلاة إلا وهم متثاقلون، ولا ينفقون الأموال إلا وهم كارهون، فهم لا يرجون ثواب هذه الفرائض، ولا يخشون على تركها عقابًا بسبب كفرهم"4. فإذا كانت هذه عقوبة من يأتي الصلاة وهو كسول فكيف بمن لا يصلي أصلاً؟-نسأل الله العافية والسلامة-.

 

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}5. فقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أعمال الكفار باطلة، وأنها لا شيء؛ لأنه قال في السراب الذي مثلها به: {حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من بطلان أعمال الكفار، جاء موضحاً في آيات أخر؛ كقوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ}6. وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً}7. أي "وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له، والمتابعة لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-"8. فهؤلاء الذين يصومون ولا يصلون لا يقبل صيامهم، بل هو مردود عليهم؛ لأنهم ارتكبوا أمراً مخرجاً من الإسلام وهو ترك الصلاة، ومن تركها فقد كفر.

 

بأي عقل يفكر من يصوم ولا يصلي؟ ألم يعلم أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وإذا كان قد قطع صلته بالله، أو قطع السبب الذي يوصله بالله، فكيف له أن يتصل بالله؟ وإذا كان قد قطع صلته بالله فكيف يقبل الله صلاته! فليتنبه لهذا من يصوم ولا يصلي، فإنّ الأمر جلل.

 

فعلينا جميعاً المحافظة على الصلوات، والإكثار من فعل القربات، والبعد عن محبطات الطاعات، بل خلاصة المسألة علينا فعل ما أمر الله ورسوله، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه. والله نسأل أن يهدي ضال المسلمين، وأن يتقبل من محسنهم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.



1 رواه الترمذي والنسائي.

2 انظر: الصلاة وحكم تاركها(47- 48). الناشر : الجفان والجابي – دار ابن حزم – قبرص – بيروت. الطبعة الأولى (1416هـ). تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي.

3 سورة التوبة (54).

4 التفسير الميسر(296). لعدد من أساتذة التفسير تحت إشراف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي.

5 سورة النــور (39).

6 (سورة إبراهيم(18).

7 (سورة الفرقان(23).

8 المصدر السابق(290).