أفكار رائعة للقيام لصلاة الفجر
من ألذ الساعات التي يعيشها العبد في هذه الدنيا ساعة الوقوف بين يدي الله ، فهو بذلك يمتثل ما أمره الله – تعالى – به من عبادته، والتذلل بين يديه يقول – سبحانه -: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56)، وقد افترض جل في علاه على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة فقال تعالى: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (الإسراء:78) يقول السعدي – رحمه الله -: “لدلوك الشمس أي: ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك صلاة الظهر، وصلاة العصر، إلى غسق الليل أي: ظلمته، فدخل في ذلك صلاة المغرب، وصلاة العشاء، وقرآن الفجر أي: صلاة الفجر… ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض لتخصيصها بالأمر”1أ.هـ.
وجاء في السنة الصحيحة ما يبين قدر هذه الصلوات الخمس، وعظيم مكانتها فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: خمس صلوات افترضهن الله – تعالى -، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتمَّ ركوعهن وخشوعهن؛ كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه2.
ومن أقام هذه الصلوات الخمس، وأدى بقية أركان الإسلام صادقاً مع الله – تعالى – فهو من المفلحين لما جاء من حديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله ﷺ : خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال رسول الله ﷺ : وصيام رمضان، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: وذكر له رسول الله ﷺ الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله ﷺ : أفلح إن صدق رواه البخاري برقم (46) بلفظه، ومسلم (11).
ولو نظر الناظر إلى المصلين في المساجد أثناء الصلوات الخمس لرأى أن أكثر المسلمين قد تهاونوا بصلاة الفجر في جماعة، مع ما لهذه الصلاة المباركة من الفضل الكبير، والثواب العظيم:
1. فصلاة الفجر هي الفاضحة لأهل النفاق لأنها من أثقل الصلوات عليهم فعن أبي هريرة عن النبي ﷺ : إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر رواه مسلم برقم (651) بلفظه، وجاء في لفظ البخاري: عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ : ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نار؛ فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد رواه البخاري برقم (626)، ويقول ابن مسعود : “لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق” رواه مسلم برقم (654)، وقال ابن عمر – رضي الله عنهما -: “كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والفجر أسأنا به الظن”3.
2. وصلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار يقول تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (سورة الإسراء:78)، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار؛ في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة فاقرؤوا إن شئتم: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً” رواه البخاري برقم (621)، ومسلم (649).
3. وصلاة الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله فعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله رواه مسلم برقم (656).
4. وكيف لا يحرص المسلم على الخروج لصلاة الفجر وهو سبب للنور التام يوم القيامة فعن بريدة الأسلمي : عن النبي ﷺ قال: بشر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة4.
5. ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله – تعالى – فعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ : من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم رواه مسلم برقم (657).
6. ولذا كانت سنة الفجر القبلية خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمقدار صلاة الفجر نفسها فعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي ﷺ قال: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها رواه مسلم (725).
فما الذي في هذه الدنيا؟ أليس فيها الأموال التي تتمناها الأنفس؟ أليس فيها ناطحات السحاب، وأفخر المراكب والملابس، والمآكل والمشارب؟ كل ما ذكر وغيره مما حوته هذه الدنيا خير منه ركعتا الفجر.
7. ثم ألا يكفي صاحب صلاة الفجر في يوم القيامة أن ينعم بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام فعن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً عند رسول الله ﷺ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (يعني العصر والفجر)، ثم قرأ جرير: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا طه:130)” رواه البخاري برقم (573)، ومسلم برقم (633) واللفظ له.
8. صلاة الفجر تقي صاحبها من النار يقول رسول الله ﷺ : لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها (يعني: الفجر والعصر) رواه مسلم برقم (634).
ولما لهذه الصلاة من مكانة كان لا بد من القيام لها، وأدائها في وقتها مع الجماعة لمن وجب عليه ذلك، وهنا أفكار ووسائل نحسبها رائعة تعين على هذه العبادة العظيمة، منها:
1- استشعار ما سبق من الفضل لمن أدى هذه الصلاة في وقتها، وفي جماعة، والحرص على ما في ذلك من الأجر الكبير والجوائز القيمة.
2- دعاء الله – تعالى – بأن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، وعلى المرء أن يُلِحَّ في الدعاء.
3- التعاون مع الصالحين للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر، وهذا الأمر من أجلِّ الأمور التي يتعاون عليها المسلمون يقول تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة:2)، فيتعاون أهل الأسرة الواحدة في أن يكون الأمر بينهم بالتداول، ويتعاون الجيران فينبه بعضهم بعضاً، ويتعاون الإخوان والأقارب؛ فقد يكون التنبيه بواسطة الجوال أو غير ذلك.
4- من الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر استخدام أي جهاز منبه، ويوضع في مكان بعيد عن متناول اليد، ومرتفع عن الأرض، وقد يوضع أكثر من جهاز في أماكن متفرقة من الغرفة، ويكون وقت التنبيه مختلف من ساعة لأخرى.
5- ومن أهم هذه الوسائل النوم مبكراً، وترك السهر المفرط.
6- ترك الذنوب والمعاصي فإن من عقوباتها أن تحرم من الطاعة
رأيت الذنوب تميت القلوب | وقد يورث الذل إدمانها |
وترك الذنوب حياة القلـوب | وخيـر لنفسك عصيانها |
7- المحافظة على الصلوات الأخرى في وقتها جماعة.
8- النوم على وضوء، وقراءة أذكار النوم، وأوراده الثابتة عن النبي ﷺ .
9- كتابة لوحة في مكان النوم بخط كبير وواضح فيه شيء من الأحاديث عن فضل صلاة الفجر.
10- ومن أهم الوسائل مراقبة الله – تعالى – في تلك الساعة وهو يراك، ويعلم سرك ونجواك، يعلم أنك استيقظت ثم عدت للنوم، يعلم أنك تسمع الأذان لكنك لم تجب، يعلم أنك قد آثرت الفرش والدفء على صلاة الفجر، وعلى الصلاة مع الجماعة.
هذه بعض الأفكار والوسائل، والله نسأل أن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
1 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1 /464) لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى 1420هـ -2000م.
2 سنن أبي داود (425)، وقال الألباني: صحيح لغيره، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1 /88)، مكتبة المعارف – الرياض، ط. الخامسة.
3 سنن البيهقي الكبرى (4733).
4 سنن أبي داود (561)، وقال الألباني: صحيح لغيره انظر صحيح الترغيب والترهيب (1 /76).