الساعة في الفقه الإسلامي

الساعة في الفقه الإسلامي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأهلاً بك أيها القارئ الكريم في هذه الجولة الفقهية التي سنتعرف فيها على بعض أحكام ساعة الوقت سواء كانت حائطية أو يدوية، نبحث هذه الأحكام من الناحية الفقهية، وكيف تكلم عنها فقهاء الإسلام، وماذا أفتى فيها العلماء، بشكل مختصر ومفيد بإذن الله – تعالى -:

لبس الساعة التي عليها رسم الصليب:

إن لبس الساعة التي عليها رسم صليب هو أمر منكر في ديننا الإسلامي الذي يحث المؤمن على التميز عن الكافرين في الاعتقاد واللباس وغيرهما مما قرره ديننا الحنيف؛ وفي هذا العمل من المنكرات الكثير: فهو تشبه بالكافرين، ونشر لدين قد حرفه أصحابه، بل نسخه الإسلام وأبطله، وفيه أيضاً نوع ولاء؛ إذ من أحب أحداً حاول تقليده في بعض أموره، وانظر إلى ما رواه عمران بن حطان أن عائشة – رضي الله عنها – حدثته: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه"1.

وقد جاءت فتوى اللجنة الدائمة بخصوص هذه المسألة لتقول: "لا يجوز لبس الساعة أم صليب لا في الصلاة ولا غيرها، حتى يُزال الصليب بحكٍ أو بوية تستره، لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة، والواجب عليه البدار بإزالة الصليب؛ لأنه من شعار النصارى، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"2.

هل لساعة اليد حكم الخاتم؟:

وهذه مسألة فقهية ترد على أذهان بعض طلاب العلم وغيرهم، فهل حكم الساعة اليدوية هو نفس حكم الخاتم الذي كان يلبسه النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ بحيث نطبق عليها أحكامه المتعلقة به أم لا؟

قال ابن جبرين – رحمه الله -: "وقد أنكر النبي – عليه الصلاة والسلام – على من لبس خاتماً من ذهب … فقاس العلماء على الخاتم الساعة اليدوية، أو نظارات العينين، أو الأدوات التي تستعمل كسكين من ذهب، أو سيف من ذهب، أو حزام من ذهب، أو بندقية أو ما أشبه ذلك من الأسلحة، فضلاً عن الأواني التي تستعمل كإناء للشرب، حتى ولو فنجان قهوة أو شاي أو ما أشبه ذلك، قالوا: هذا كله داخل في النهي، والنهي ورد عن الأكل والشرب … ولكن العلماء ألحقوا بذلك سائر الاستعمالات"3.

س: هل لبس الساعة يعتبر مثل لبس الحديد المنهي عنه، وما حكم لبسها في اليد اليمنى؟

ج: لا حرج في لبس الساعة في اليد اليمنى أو اليسرى كالخاتم، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لبس الخاتم في اليمنى وفي اليسرى، ولا حرج في لبس الحديد من الساعة والخاتم لما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيحين أنه قال للخاطب: ((التمس ولو خاتماً من حديد))4، أما ما يروى عنه – صلى الله عليه وسلم – في التنفير من ذلك فشاذ مخالف لهذا الحديث الصحيح"5، وقال ابن عثيمين – رحمه الله -: "والأمر في هذا واسع، فلا يقال: إن السنة أن تلبسها باليمين؛ لأن السنة جاءت في اليمين واليسار في الخاتم، والساعة أشبه شيء به"6.

لبس الساعة الذهبية:

ومن المنكرات التي انتشرت عند بعض رجال المسلمين لبس الساعة الذهبية، أو الساعة التي عقاربها من ذهب، ومنهم من يفتخر بذلك، ويظن أنه يحسن عملاً، ومنهم من يلبسها جهلاً منه بحكم ذلك؛ لذا أحببنا أن نُعلِم القراء بحكم الإسلام في هذه المسألة، وإيراد هذه الفتوى الشرعية للجنة الدائمة:

يقول السائل: "ساعة عقاربها من الذهب هل يجوز أن يلبسها الرجل؟

فأجابت اللجنة: لا يجوز لبسها؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أُحِلَّ الذهب لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها))7، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"8.

لبس الساعة المطلية بالذهب:

وقد وُجِّه سؤال للَّجنة الدائمة يقول: "هل يجوز شراء الساعات المطلية بالذهب للرجال، وسعر بعضها رخيص مثل 120 ريال ونحوه، وهل يجوز شراء الملاعق والسكاكين المطلية بالذهب؟ أرجو إفادتي عن هذه الأواني التي قد يكون عليها طلاء فقط.

فأجابت اللجنة: لا يجوز شراء الأواني والملاعق والسكاكين المطلية بالذهب لنهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الشرب في أواني الذهب والفضة، وهذا يشمل الإناء الخالص من الذهب والفضة، والمطلي بهما، والملاعق والسكاكين في حكم الأواني، وكذلك لا يجوز شراء الساعات المطلية بالذهب للرجال؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حرَّم لبس الذهب على الرجال، وهو يشمل الذهب الخالص والمطلي"9.

حكم تعليق ساعة حائطية عليها صور:

وهذه من الأشياء التي نراها كثيراً في بعض بيوت المترفين – خاصة – من المسلمين، ويظنون أنهم بذلك يزينون جدرانهم ويُجَمِّلونها، وما دروا أنهم بعملهم هذا يطردون ملائكة الرحمن من بيوتهم لقوله – عليه الصلاة والسلام -: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة))10.

وقد وجه سؤال للجنة الدائمة للإفتاء بخصوص هذه المسألة فكان الجواب:

"لا يجوز تعليق الساعة التي فيها صور لذوات الأرواح من الآدميين وغيرهم لا في المسجد ولا في غيره، وتعليقها في المسجد أشد تحريماً؛ لما فيه من التشبه بعباد الأصنام، وإيجاد الصور في المسجد، ولما ذكر – أيضاً – في هذه الساعة من كتابة لفظ الجلالة، وكتابة اسم الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى جانبها، وفي هذا غلو في حق الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ووسيلة من وسائل الشرك، إضافة إلى أن هذه الرسوم والكتابات تشغل المصلين، فالواجب طمس هذه الصور والكتابات إذا أمكن، أو إخراج هذه الساعة من المسجد، واستبدالها بساعة سليمة مما ذكر، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"11.

لبس ساعة اليد للمرأة في فترة الحداد:

جاء في مجلة البحوث الإسلامية: "هل يجوز للمرأة في فترة الحداد لبس الساعة لضبط الوقت لا للتجميل؟

الجواب: نعم يجوز لها ذلك؛ لأن الأمر يتبع القصد، وتركها أولى لأنها تشبه الحلي"12.

هذا ما تيسر جمعه في المسألة، ونسأل الله – تعالى – أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الفقه في الدين، والرشد في الأمر، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه البخاري برقم (5608).

2 فتاوى اللجنة الدائمة (32)جزءاً (6/183)، السؤال التاسع من الفتوى رقم (2615).

3 دروس للشيخ ابن جبرين (12/10).

4 رواه البخاري برقم (5135)، ومسلم برقم (3553).

5 فتاوى إسلامية من فتاوى ابن باز (4/324).

6 الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/110).

7 أخرجه النسائي في الكبرى برقم (9450)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (220)، ولكن بلفظ:أحل الذهب والحرير.

8 فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (24/79) الفتوى رقم (20449).

9 فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (24/84).

10 رواه البخاري برقم (3226)، ومسلم برقم (5640).

11 فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (27/314-315)، السؤال الأول من الفتوى رقم (18161).

12 مجلة البحوث الإسلامية (19/158)، وذكروا أن هذه الفتوى للجنة الدائمة.