الحسنى وزيادة

الحسـنى وزيـادة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله تعالى أعد للمتقين جنات تجري من تحتها الأنهار، وقد وصفها تعالى بأحسن الأوصاف في كتابه العظيم، ووصفها رسوله  كذلك، ومن الأوصاف الجميلة للجنة أنها: (الحسنى)، كما قال تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (سورة يونس:26).

فالحسنى هي الجنة، وأما الزيادة المذكورة في الآية فالمراد بها النظر إلى وجه الله الكريم، وهو أعظم نعيم أهل الجنة كما جاء ذلك مفسراً في حديث صهيب الرومي  أن رسول الله قال: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. رواه مسلم.

وفي تفسير الآية يقول ابن كثير رحمه الله : “يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان، والعمل الصالح؛ أبدله الحسنى في الدار الآخرة كما قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ (الرحمن:60).

وقوله: وَزِيَادَة هي تضعيف ثواب الأعمال الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك أيضاً، ويشمل ما يعطيهم الله ​​​​​​​ في الجنان من القُصُور، والحُور، والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، قال البغوي: وأبو موسى، وعبادة بن الصامت، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف.

وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة عن رسول الله ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: عن صهيب؛ أن رسول الله  تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ، وقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه، فيقولون: وما هو؟ ألم يُثقِّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا من النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم1 ورواه مسلم أيضاً.

وإنما سميت الجنة بالحسنى لأن فيها من النعيم، والحسن، والجمال ما لم تره عيون الخلق، ولم تسمعه الآذان، ولم يخطر على قلب بشر كما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ رَسُولِ اللَّهِ  قَالَ: قَالَ اللَّهُ – تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ  : اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ رواه البخاري ومسلم.

وقد قال الله – تبارك وتعالى – عن نعيم أهل الجنة: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(سورة ق:35).

والمزيد هو النظر إلى وجه الله – تعالى – كما في الآية السابقة في تفسير الزيادة.

ويقول سبحانه عن جزاء المحسنين: هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ أي: مَا لمن أحسن في الدنيا العمل إلا الإحسان إليه في الدار الآخرة كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وروى البغوي عن أنس بن مالك  قال: قرأ رسول الله : هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ، قال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.2

فالجنة نعيم مقيم، وجزاء عظيم لمن أحسن العمل في الدنيا كما روي عن أسامة بن زيد  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ! فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، هِيَ – وَرَبِّ الْكَعْبَةِ – نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ، وَحَضَّ عَلَيْهِ.3

فنسألك اللهم الجنة، والمزيد من نعمائك وفضلك، يا ذا الجلال والإكرام.


1 تفسير ابن كثير (4 /262).

2 تفسير ابن كثير (7 /505).

3 رواه ابن ماجه والطبراني وابن حبان، وضعفه الألباني.