إفشاء السلام

إفشـاء السـلام

 

إفشـاء السـلام

 

الحمد لله رب العالمين,والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

 أمَّا بعدُ :

فإن ديننا الإسلاميَّ قد حثَّنا على إفشاء السلام بيننا، وأخبرنا أنه سببٌ في زيادة المحبة فيما بيننا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا،ولا تؤمنوا حتى تحابوا،أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم،أفشوا السلام بينكم)1.

وفى رواية أخرى:(والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا…)2، قال الإمام النووي -رحمه الله-: "وأما معنى الحديث، فقوله -صلى الله عليه وسلم- (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب. وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا) فهو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمناً وإن لم يكن كامل الإيمان فهذا هو الظاهر من الحديث، وقال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله-: "معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك"، وهذا الذي قاله محتمل، والله أعلم.

وأما قوله: (أفشوا السلام بينكم) فهو بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه الحثُّ العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم، من عرفت ومن لم تعرف. والسلام سبب التآلف ومفتاح استجلاب المودة, وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين،وقد ذكر البخاري-رحمه الله-في صحيحه عن عمار بن ياسر-رضي الله عنه- أنه قال: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار) وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبذل السلام للعالم والسلام على من عرفت ومن لم تعرف وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى وهى أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به، والله -سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب. انتهى كلامه رحمه الله3.

فعلى المسلم إذا مر بأخيه المسلم أو قدم إلى مجلس هو فيه عليه أن يسلم عليه؛ وكذلك إذا دخل المسجد، وهو أولى البقاع، وخير بقاع ينبغي على المسلمين تبادل السلام فيها، إذ بها تتجلى معاني المحبة والألفة والمودة بين المسلمين، فعلى المسلم أيضاً أن يسلم على من فيها بتحية من الله مباركة طيبة، حتى لو كان المسلمون في الصلاة، فقد كان المسلمون يسلمون على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في صلاته، فكان يرد علهم بالإشارة؛ فعن ابن عمر عن صهيب أنه قال: مررتُ برسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-وهو يُصلِّي، فسلمتُ، فردَّ إليَّ إشارة4.

وقال ابن عمر: قلت لبلال: كيف كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يردُّ عليهم حين كانُوا يسلِّمون عليه وهو في  الصلاة؟ قال: يشير بيده5.

أما كيفية هذه الإشارة، فقد أجاب بلال رضي الله عنه حين سأله ابن عمر عن كيفية الإشارة؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق6.

فالسلام على المصلي ليس فيه حرج،ورد المصلي السلام بالإشارة على المسلِّم ليس فيه حرج كذلك.

ومن المؤسف أن يحرم المسلم نفسه من الخير بعدم بذله للسلام على إخوانه المسلمين، سواء كانوا في المسجد أو خارج المسجد، فتجده يمر بك ولا يسلم عليك، أو يدخل المسجد ولا يسلم على من فيه، فيحرم نفسه من أجر عظيم مترتب على إلقاء السلام، وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (عشر) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: (عشرون) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: (ثلاثون)7.

نسأل الله أن يوفقنا للخير، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا إخوة متحابين متآلفين، وأن يجنبنا المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – رواه مسلم.

2 – رواه مسلم.

3 – شرح النووي على صحيح مسلم (2/36).

4 – رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي، وصححه الألباني، انظر صحيح سنن الترمذي رقم (301)، وفي رواية لمسلم عن جابر: (فسلمت عليه، فأشار إلي).

5 – رواه الخمسة؛ إلا أن في رواية النسائي وابن ماجه: (صهيباً) مكان (بلال)، وصححه الألباني، انظر: صحيح ابن ماجه رقم (832).

6 – راجع: نيل الأوطار (1/344).

7 قال الشيخ مقبل عنه: حسن على شرط مسلم، الجامع الصحيح (5/219).