دورة في الاحتساب
بيوت الله هي أماكن عظيمة، رفع الله قدرها ومكانتها فقال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (النور:36)، وجعلها أحب البقاع إليه – سبحانه – كما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها رواه مسلم (1076).
وفي المساجد يُحَصِّل المسلمُ الكثيرَ من الأجور العظيمة، ويلقى المنافع الجسيمة، ومن ذلك تعلم الجانب الاحتسابي في المسجد، وهو من الأمور التي يمكن أن تنظمه إدارة المسجد.
وفكرة هذا المشروع عبارة عن “دورة في الاحتساب”، ولا يخفى علينا ما في المسجد من أعمال تحتاج إلى احتساب، بل يمكن أن تكون كل أعمال المسجد هي أعمال احتسابية، وقد تغطي إدارة المسجد جوانب من تلك أعمال المسجد لكن تبقى أعمال تحتاج إلى أيدي محتسبة تكون مستعدة للتطوع عند الحاجة إليها، بل حتى الأعمال التي ترتبها إدارة المسجد فإن الإمام يحتاج فيها أن يعوِّد المصلين على خدمة بيت الله – تعالى – فيحيل مثلاً على شخص تنظيف المسجد، وعلى آخر عمل ثانٍ؛ تربية لهم على تقديم الخير، والمشاركة فيه.
وفي دورة الاحتساب التي نريد إقامتها في المسجد يتعلم أهل المسجد أموراً عظيمة مهمة جداً من نواحي عديدة، وقبل أن نتطرق للجوانب التي يحتاج أهل المسجد تعلم الاحتساب فيها نذكر بعض الفوائد في مسألة الاحتساب:
* أولاً تعلم معنى الاحتساب وهو كما قال صاحب تحفة الأحوذي: “الاحتساب طلب الثواب، وأصل الاحتساب بالشيء الاعتداد به، ولعله مأخوذ من الحساب أو الحسب، واحتسب بالعمل إذا قصد به مرضاة ربه، وقال التوربشتي: وكلا اللفظين (يعني احتسب واكتسب) قريب من الآخر في المعنى المراد منه قال الطيبي – رحمه الله -: وذلك لأن معنى ما اكتسب كسب كسباً يعتد به، ولا يرد عليه سبب الرياء والسمعة، وهذا هو معنى الاحتساب لأن الافتعال للاعتمال انتهى”1.
وفي بيان الاحتساب في الأعمال يقول ابن الأثير – رحمه الله تعالى -: “الاحتساب في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات؛ هو البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها”2.
* وللاحتساب فوائد عديدة نذكر منه3:
1- أنه دليل كمال الإيمان، وحسن الإسلام، وهو علامة على صلاح العبد واستقامته.
2- سبب للفوز بالجنة، والنجاة من النار، وحصول السعادة في الدارين.
3- الاحتساب في الطاعات يجعلها خالصة لوجه الله – تعالى -، وليس له جزاء إلا الجنة، ويبعد صاحبه عن شبهة الرياء، ويزيد في ثقته بربه.
4- الاحتساب في المكاره يدفع الحزن، ويجلب السرور، ويضاعف أجر الصبر عليها، ويحول ما يظنه الإنسان نقمة إلى نعمة.
5- الاحتساب في الطاعات يجعل صاحبه قرير العين، مسرور الفؤاد بما يدخره عند ربه؛ فيتضاعف رصيده الإيماني، وتقوى روحه المعنوية.
6- الاحتساب دليل الرضا بقضاء الله وقدره، ودليل على حسن الظن بالله – تعالى -.
7- إن المحيط الصغير الذي تعيش فيه سيكتسب منك هذا الخلق الحسن (الاحتساب)، لأنهم سيشعرون به ويعايشونه واقعاً حياً أمامهم؛ مما يجعل له أثراً عميقاً في أنفسهم، فتكون تلك دعوة عملية إلى هدى، لمن فعله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة – بإذن الله -.
الجوانب التي يحتاج أهل المسجد تعلم الاحتساب فيها:
- الاحتساب في نظافة المسجد سواءً نظافة الفرش، أو المرافق؛ مما يحتاج إلى عناية دائمة، فقد يقوم بذلك المسؤول على النظافة لكن تبقى الحاجة ماسة إلى لمسات المحتسبين، ومريدي الأجر؛ لسرعة اتساخ هذه الأماكن، وداوم استهلاكها.
- الاحتساب في تقديم الخدمة لكبار السن الذي يرتادون المسجد ممن يحتاجون إلى تهيئة المكان المناسب، ومساعدتهم في حمل أدواتهم، أو إعطائهم المصاحف، أو غير ذلك.
- الاحتساب في إزالة المنكر الذي قد يحصل في المسجد من مثل تشغيل النغمات الغنائية في الهواتف النقالة، وحبذا لو رتب أمر الإنكار على شكل لجنة حتى لا تحصل فوضى، ويحصل إفساد أكثر من الإصلاح.
- الاحتساب في تعليم الجاهل؛ فكم من المصلين ممن لا يعلم كثيراً من مسائل الدين المهمة، ومنها ما يخص صلاته، ولا يعلم بذلك إمام المسجد، فيكون الاحتساب مهماً هنا لمن عنده علم في تعليم ما يستطيع، أو إحالة من يريد تعليمه على الإمام، أو من يعلم من أهل العلم الموجودين في المسجد.
- الاحتساب في التفاعل مع أنشطة المسجد التي تقيمها إدارة المسجد كجمع تبرعات، أو مشروع الطبق الخيري لصالح المسجد، أو أي نشاط تقوم به الإدارة مما يمكن التفاعل معه.
- الاحتساب في توفير الجو المناسب للعبادة بإبعاد إزعاج الأطفال، وضمهم إلى الصفوف، وكفهم عن العبث في المسجد وبخاصة وقت الصلاة، فعند انشغال الإمام مع المصلين بالصلاة قد تزداد الفوضى عند الأطفال، والعجيب في ذلك أن أهل المسجد من المتأخرين كأن الأمر لا يعنيهم فهم لا يشاركون حتى ولو بكلمة أو إشارة، وقد يكون فيما يقدمه في إذهاب الفوضى أجر كبير – وإن فاته شيء من الصلاة -، فقد هيأ لإخوانه جو الخشوع والهدوء الذي يجب أن يكون في المسجد.
- الاحتساب في المشاركة الدعوية في المسجد كل بحسب استطاعته، فذاك بالكلمة، وذاك بالمال في طبع المنشورات الدعوية، أو المساهمة في إقامة دورات دعوية كهذه الدورة، أو غير ذلك.
أما ماهية “دورة الاحتساب” فتكون بتنسيق إدارة المسجد مع أحد المدربين، ويركز في الدورة على أمور منها:
1- تبيين معنى الاحتساب.
2- بيان فضل الاحتساب.
3- ذكر الجوانب التي يحتاج أهل المسجد تعلم الاحتساب فيها.
4- كيفية تفعيل الاحتساب في كل جوانب حياة الفرد.
- وفي نهاية الدورة يعطى الحاضرون شهادة حضور إن أمكن، وإن كان هناك اختبار يكرم الناجحون فيه، ويكون ذلك في الحفل الختامي.
ولعل ما ذُكِرَ من أهم الجوانب التي يحتاجها أهل المسجد في مسألة الاحتساب، وغيرها كثير، فالموضوع متجدد وموسع، ويكفي هنا أن تتربى النفوس على الاحتساب فتكون مستعدة عند الطلب، وفي كل وقت؛ مسارعة في خدمة هذا الدين.
وصلى الله على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (7 /51) للمباركفوري، دار الكتب العلمية – بيروت، عدد الأجزاء: 10.
2 النهاية في غريب الحديث والأثر (1 /38) لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (المكتبة العلمية – بيروت) 1399هـ – 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي.
3 بتصرف من كتاب: كيف تحتسبين الأجر في حياتك اليومية؟ مكتبة صيد الفوائد: (http://www.saaid.net/book/1/354.zip).