ترتيب الأهداف في مدارس التحفيظ
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فكل عمل لا يتم ترتيب أولوياته، وتحديد مهماته، وتنظيم حركاته وسكناته؛ فإنه غالباً ما يكون مآله السقوط، والعكس بالعكس.
ويرجع الأمر في تحديد الأهداف وترتيبها إلى طبيعة العمل ومتطلباته، وأسباب نشأته،واختلاف مهامه وبيئته، وكل هذا له أثر في تحديد الهدف؛ إذ لو وجد عملٌ ما في بيئة ريفية فسيختلف نوعاً ما في أولوية أهدافه ونوعها، ولو أسست منشأة تعليمية في منطقة آهلة بالثقافات فستختلف حتماً عما لو كانت في بيئة متحدة فكرياً ومنهجياً؛ إذ ستختلف في أسباب التأسيس، وطريقة التطبيق، وآليات العمل ووسائله…إلخ.
وعلى هذا فمدارس التحفيظ التي نحن بصدد الكلام عنها ينبغي عليها أن ترتب أهدافها العامة والخاصة، والآنية والمستقبلية؛ للوصول إلى نتائج مرضية في كل فترة عمل.
فتكون الأهداف العامة مثلاً:
– الاهتمام بكتاب الله علماً وعملاً.
– استقامة النشء، ورعاية الجيل رعاية إسلامية؛ ليتحقق صلاح المجتمع.
– تحقيق مستوى الوعي بدور المسلم في الحياة.
– رفع القدرات والمهارات النافعة في الشباب المسلم.
– تصفية المجتمع من الشوائب الفكرية،والعقدية، والخُلقية.
إلى غير ذلك من الأهداف العامة التي تسعى المدرسة والقائمون عليها إلى تحقيقها، ثم تأتي أهداف بعدها على درجة عالية من الأهمية، وتتحقق مع تحقق الأهداف العامة،ومنها:
– حفظ كتاب الله تعالى كاملاً متقناً مجوداً لدى أبناء المجتمع.
– الإلمام بتفسير الكتاب العزيز.
– إتقان القراءات كاملة.
– تأهيل مدرسي التحفيظ من أبناء المسجد والحي.
– توفير أوقات الشباب من الضياع، وإشغالهم بتعلم كتاب الله.
وترتَّب الأهداف عموماً باعتبار الأهداف العامة أولاً وأخيراً، وتقدَّم على غيرها،ويركز فيها على العناية بالمفاهيم الصحيحة، وسلامة المعتقد، ومعايير القدوة والنهج القويم، والتصور الصحيح للواقع، وهذا لا يكفي بدون ترشيد العمل، والتطبيق، وسلوك الفرد والجماعة.
ومن الأهمية بمكان مراعاة المكان والزمان،والفئة المستفيدة، وأولويات ذلك؛ فربما كان الأنسب في بعض الفترات أن يُهتَم بجانب الحفظ وتقديمه على غيره أياً كان، وتارة يكون العكس؛ فربما نُحيَّ جانب الحفظ بنسبة كبيرة نظراً لظروف زمنية كمواسم الامتحانات النظامية، وربما كانت المراجعة للمحفوظ هدفاً أولوياً باعتبار تدني مستوى الإتقان، أو لأجل فترة عبادية كرمضان المبارك، أو أن يكون التركيز على بعض الأنشطة أولى من غيره، وهذا كله يتطلب من القائمين أن يأخذوا بالعصا من وسطها لينظروا إلى جميع الأطراف، ويوازنوا بين الأمور، وما لم ينظروا بعين الحكمة والتدبير، ويستشيروا غيرهم من أهل الخبرة والتقدير؛ فإن الأهداف ستظل معلقة في لائحة المدرسة لا تضع قدمها على الأرض لتمشي بين المنتسبين، فضلاً عن أن تجري عجلتها.
مما يحدد أولوية الأهداف شريحة المجتمع المحيط والمستفيد المباشر من التحفيظ، فعند وجود طلبة ذوي نباهة وفطنة وهمة؛ يتصدر الاهتمامُ بالجانب العلمي كتفسير القرآن الكريم، ومعرفة بعض الأحكام المتعلقة به تجويدية، أو فقهية، أو عقدية، وفي المقابل فإنه مع وجود الضعف في القراءة لدى الجميع؛ يجدر الاهتمام بتحسين القراءة، وإصلاح اللسان، وتقويم النطق.
وهذه تختلف من مدرسة لمدرسة، ومن حلقة لحلقة، ومن فرد لفرد، ومن المناسب جداً ضمُّ النظير إلى نظيره سناً ومستوىً، ومع التأثرات السلبية الناتجة عن الاحتكاكات فإنه يفضَّل الفصل بينهم، والسعي في إصلاح الخلل، واستبعاد فصل الطالب عن المدرسة.
ومما يُلفَتُ النظرُ إليه أمرُ الاستغناء عن الطلاب مثيري الشغب والفوضى؛ وهو حل رائع في حالة واحدة هي “حين ننسى أهدافنا”، وإذا كان مرادنا الاهتمام بالشباب المتسم بالأدب والخلق الرفيع؛ فمن للذين بُذرت فيهم بذرة السوء؟ أنتركهم ليسقي أهل السوء بذرتهم، وتنمو شجرتهم؟
ولنعلم من الآن أنه لن يتأذى بشوكهم المتساقط في الحي إلا المارُّون من أبنائنا ونحن معهم.
ولو قلنا: إن مدرسة التحفيظ بُنيت لتحقيق أهداف معينة؛ فإننا لن نغفل أن بينها وبين المستشفيات شبه كبير، فماذا لو أن طبيباً تأفف من أحد المرضى حال إسعافه وهو في حالة خطرة، وجراحه تسيل بالدماء، فأبى علاجه، إلى أين يذهب المريض؟!
إن الأولى بالمداواة والرعاية الصحية والعناية المركزة هم الأسوأ حالاً، والأقرب إلى الوباء؟
فليفقه هذا أطباء النفوس من معلمي القرآن الكريم.
نفعنا الله وإياهم والمؤمنين
آمين