ولا تقربوا الزنـا
الحمد رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وقائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعـد:
فإنَّ من الأمور الخطيرة، والمنكرات الفظيعة، والموبقات المهلكة التي حذرنا الله منها في كتابه، ورسوله في سنته؛ ارتكاب فاحشة الزنا قال الله – جل وعلا -: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (سورة الإسراء:32). وهذه قمة في البلاغة، ومعناه لا تتعاطوا الوسائل والأسباب المؤدية إلى الوقوع في هذه الكبيرة، ومن الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بصاحبها إلى الوقوع في هذه الفاحشة: شرب الخمور – أم الخبائث -، والنظر إلى الكاسيات العاريات، وسماع الأغاني الماجنة، ومشاهد الأفلام الخليعة، والخلوة واختلاط الرجل بالمرآة، وغير ذلك من الوسائل والأسباب قال الذهبي – رحمه الله -: “النظرة بشهوة إلى المرآة والأمرد زنا، ولأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان، وعن النظر إليهم، وعن مخالطتهم ومجالستهم”1، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًاً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (سورة الفرقان:68-69)، وقال عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها: الزنا2، والآيات والأحاديث في ذم هذه الفعلة، والتشنيع على فاعلها؛ كثيرة جداً.
والذي يجب علينا أن نعلمه هو الزنا حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، وأن بعضه أشد تحريماً من بعض، قال ابن حجر – رحمه الله -: عد الزنا من الكبائر هو ما أجمعوا عليه … وبعض الزنا أغلظ من بعض، فالزنا بحليلة الجار، أو بذات الرحم، أو بأجنبية في شهر رمضان، أو في البلد الحرام؛ فاحشة مشينة”3.
كما يجب علينا أن نعلم أن الله لم يحرم علينا أمراً إلا لأن فيه ضرر علينا في ديننا، أو دنيانا، ولم يوجب علينا أمراً، أو يبحه لنا؛ إلا لأن فيه منفعتنا في الدنيا والآخرة، وقد تبين من خلال ما ذكره العلماء، وما نشاهده في الواقع؛ أنَّ للزنا مفاسد عديدة دنيوية وأخروية، ومضار مخيفة؛ من هذه المفاسد والمضار:
1. أن الزنا (الزاني، والزانية) يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة.
2. أنه يورث غضب الرب – تبارك وتعالى – بانتهاك حرمه، وإفساد خلقه.
3. أنه دليل على خبث النفس، وذهاب الحياء، ورفع الحشمة.
4. سواد وجه الزاني، وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.
5. ظلمة القلب، وطمس نوره.
6. أنه يورث الفقر اللازم؛ لأن الله مفقر للزناة.
7. أنه يذهب حرمة فاعله، ويعرضه للحد في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
8. أنه يسلب الزاني أحسن الأسماء وهي: العفة، والبر، والأمانة، ويعطيه أضدادها كالفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.
9. أنه يفارق الزاني وصف الطيب الذي يبتسم به أهل العفاف، ويستبدل به الخبث الذي يتصف به الزناة، وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، وجعلها مأوى للطيبين4.
10. ومن مضار الزنا على المجتمع اختلاط الأنساب، واشتباهها، ويؤدي إلى ضيق في الأرزاق، وخراب في الديار، وإيقاع الوحشة بين أبناء المجتمع.
11. أن الزنا سبب لظهور أمراض وبلايا لا يعلمها إلا الله ومنها: مرض فقد المناعة (الإيدز) الذي شاع في المجتمعات الفاجرة هذه الأيام.
12. في زنا الزاني جناية على ذريته بجلب العار والخزي لهم من ناحية، وتعريضهم – إلا من رحم الله – لمثل هذه الفعلة الشائنة من ناحية أخرى5.
ولكن باب التوبة مفتوح لكل تائب مهما كان ذنبه ما لم يغرغر، وهذه وقت خاص بالتوبة، أو ما لم تطلع الشمس من مغربها؛ وهذه وقت عام؛ فيجب على من وقع في فاحشة الزنا، أو تسبب في ذلك، أو أعان عليه؛ أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يندم على ما مضى، وألا يرجع إليه إذا تمكن من ذلك، وأن ينكسر بين يدي ربه مخبتاً منيباً، عسى أن يقبله، ويغفر سيئاته، ويبدلها حسنات: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (سورة الفرقان:68-70)، والله نسأل أن يتوب علينا إنه تواب رحيم.