الاحتفال بالمولد النبوي

الاحتفال بالمولد النبوي

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين . أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . ما ترك خيراً إلا دلنا عليه . ولا شراً إلا حذرنا منه . ولا طائراً يطير بجناحيه إلا ترك لنا منه علماً . اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد . اللهم ارض عنه ، اللهم ارض عن أصحابه . اللهم ارفع درجاتهم يا أرحم الراحمين واجزهم عن الإسلام وأهله خيرا ما جزيت أصحاب نبي .

 

عباد الله!

 

من كيد أعداء الإسلام أن يثيروا البدع في الأمة ويشجّعوا أصحاب البدع ويتيحوا المجال للبدع وينشروا البدع لأنها هدم للإسلام . أن يحاربوا السنّة وينشروا كل ما هو ضد السنة ويتيحوا المجال لكل من يطعن في السنّة . وقد دخلت في الأمة دواخل كثيرة وأغارت عليها من شياطين الإنس الذين أجلبوا بكيدهم وخيلهم ورجلهم على سنة محمد بن عبد الله ما أجلبوا ، اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه . ونحن من وفائنا لمحمد بن عبد الله نبينا عليه الصلاة والسلام يجب أن نتمسك بسنته وأن نحذر مما خالفها . وهو الذي علّمنا فقال : عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ . وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار . قال الحافظ السخاوي رحمه الله : عمل المولد لم ينقل عن أحدٍ من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد . اليوم تتاح المجالات لإقامة الاحتفالات بالموالد والبدع وأنواع المخالفات للسنة النبوية . فنقول لهم : هل فعله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل أقام مولداً لنفسه ؟ أبداً . وقد يقولون : لم يفعل ذلك تواضعاً . فنقول : لو كان من الدين فعلُه ، لفعله . هو رسول الله وسيد ولد آدم ويقول : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . لا كبر ولا استعلاء .

 

وإذا أردنا أن نخرجه من هذه ونقول : هل فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هاتوا لنا دليلاً أن أبا بكرٍ الصديق قد فعله ، وأن عمر قد أقام مولداً ، وأن عثمان قد احتفل بالمولد ، وأن علياً رضي الله عنه قد جمع الناس على حفلة مولد . هاتوا لنا دليلاً إن كنتم صادقين . هل تزعمون أنكم تحبون رسول الله أكثر من أصحابه ؟ هل تزعمون أنكم على ملةٍ أهدى من ملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الاحتفال بالمولد عبادة أم هو نوع من أنواع الأعمال الدنيوية ؟ هل تتقرّبون بها إلى الله أم أنكم تفعلونها مثل شم النسيم ؟ لا . هم يقولون : نحن نريد التقرب إلى الله ، ما أقمنا الموالد إلا ونحن نريد الأجر والثواب . فنقول : ما حكم إحداث عبادة بعد النبي عليه الصلاة والسلام ؟ الذي أنزل الله عليه قوله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}(المائدة: من الآية3) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً .

 

ولذلك قال العلماء : من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة . لماذا ما بلغنا إياها ؟ لماذا ما حضّنا عليها ؟ لماذا ما فعلها ؟ وكذلك سيزعم بأن الصحابة قد خانوا ونقصوا من الدين وفوتوا الفضل والأجر الذي ما عرفه إلا هؤلاء المتأخّرون . ثم إن في هذا الاحتفال مشابهة للنصارى باحتفالهم بميلاد عيسى عليه السلام ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم . ثم إنه تقال في هذه الموالد من القصائد التي فيها الغلو العظيم والشرك بالله ما ينطبق عليه حديث : لا تطروني . فخالفوا النهي الوارد فيه .

 

وكذلك ما يحدث في البلاد من بلدان العالم الإسلامي في احتفالات الموالد من البدع والمنكرات والاختلاط والرقص والفجور والقبائح والإسراف وضياع الأموال ، نصب الزينات . وهكذا يحصل أيضاً غناء بمناسبة المولد النبوي . والله تعالى قال لنبيه : َاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}(هود: من الآية1121) {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}(الأنعام: من الآية50) . لا زيادة ولا نقصان . ُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}(آل عمران: من الآية31) . وقال لنا عليه السلام: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد . مردودٌ عليه .

 ومن العجائب أن المؤرخين قد اختلفوا في موعد ولادة النبي عليه الصلاة والسلام فقال ابن عبد البر : في الأول من ربيع الأول . وصحح ابن حزم أنه في الثامن من ربيع الأول . وهو اختيار أكثر أهل الحديث . وقيل العاشر من ربيع الأول . وقيل الثاني عشر وقيل السابع عشر إلى آخره . لكنهم جميعاً اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في الثاني عشر من ربيع الأول . واليوم يجمع المحتفلون بالمولد على أن الثاني عشر من ربيع الأول حفلة هو يوم ميلاد للنبي . ولو كانوا أرادوا أن يقيموا مأتماً وعزاءً حزناً على فقده في الثاني عشر من ربيع الأول لكانت بدعةً أقرب لأنها من التاريخ المتفق عليه . وليس الفرح بمولده بأولى من الحزن بوفاته ، مع أننا والحمد لله لا نقيم بدعةً لمولده في الاحتفال ولا مأتماً وحزناً ببدعةٍ أخرى في وفاته ، بل إننا نفرح ببعثته عليه الصلاة والسلام التي نزل بها الوحي ، ولو كانوا يريدون الأولى حتى على ظنهم لاحتفلوا ببعثته . لأنها أثّرت في العالم أكثر من ميلاده وخروجه من رحم أمه .

 

المسلم طيلة عمره يظهر الفرحة بالسنة وبالنبي عليه الصلاة والسلام . وكل يوم يحافظ على السنة ، ولا يحتاج إلى يوم في السنة ليتذكر النبي الكريم لأنه كل يوم متذكر للنبي الكريم . ولا يحتاج إلى يوم في السنة لكي يعظم النبي الكريم لأنه كل يوم يعظم النبي الكريم . هذا إذا كان صادقاً في اتباعه؛ فإنه سيعظمه عليه الصلاة والسلام ويعظم سنّته . والذين أشد منا تعظيماً للنبي عليه الصلاة والسلام وهم أصحابه لم يحتفلوا بذلك الميلاد ولا فعله الأئمة الأربعة لا أبو حنيفة ولا الشافعي ولا مالك ولا أحمد ولا الليث ولا الأوزاعي ولا سفيان ولا غيرهم ، وإنما حدث بعد ذلك قام به سلطان إربيل فيما يقال . وبعض الناس يقولون : بدعة حسنة . فنقول : كيف تقول : بدعة حسنة والنبي عليه الصلاة والسلام قال : كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار ؟ فإذا قال : كل بدعةٍ ضلالة ، فكيف تناقضه وتعاكسه وتخالفه وتقول : بل يوجد بدعة حسنة . هو يقول : كل بدعة ضلالة ، وأنت تقول : هناك بدعة حسنة ؟! ولذلك فإن المسلم يتّبع ولا يبتدع . وكل يوم نحن نعظّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقرأ الصلاة الإبراهيمية في صلاتنا وهذه الدعوات الطيبات المباركات . ونحن نرفع ذكره في الأذان ونجيب المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله . ومن أذكار الصباح والمساء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشراً عشراً . وكل ما مر ذكره نصلي عليه صلى الله عليه وسلم  ، وإذا كتبنا اسمه كتبنا صلى الله عليه وسلم ، وإذا دخلنا المسجد صلينا على النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا عند خروجنا . وهكذا في صلاة الجنازة ، في التكبيرة الثانية . وهكذا وهكذا من الأحوال الكثيرة والمناسبات في الليل والنهار التي نصلّي فيها على النبي عليه الصلاة والسلام وخصوصاً في هذا اليوم يوم الجمعة . 

 

عباد الله!

 

المؤمن قلبه حيّ ومتصل بنبيه عليه الصلاة والسلام لا يحتاج إلى يوم في السنة يذكّره كما يتخذ النصارى أياماً أعياداً في السنة ليتذكروا أمهاتهم بعيد الأم ، ويتذكروا حق المعلم بعيد المعلم ، ويتذكروا حق الشجرة بعيد الشجرة ، ويتذكروا ويتذكروا . فنقول : نحن نتذكر الواجبات الشرعية بلا أعيادٍ مبتدعة وليس لنا  إلا عيد الفطر إظهاراً للفرح باكتمال رمضان ، وعيد الأضحى إظهاراً للفرح بنعمة الله تعالى في شرع الأضحية وما يكون في ذلك اليوم العظيم من العبادات الكثيرة التي لا يجتمع مثلها في مثل ذلك .

 

اللهم إنا نسألك اتباع سنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم  . اللهم اجعلنا من أتباع سنّته وحملة شريعته . اللهم اجعلنا ممن ينافح عنها ، ويدافع عنها . اللهم اجعلنا بها مستمسكين . أحينا عليها وأمتنا عليها يا رب العالمين . اللهم ارزقنا تعليمها أولادنا . اللهم ارزقنا العمل بها . اللهم إنا نسألك أن تتقبل عملنا وأن تغفر ذنبنا وأن تقضي ديننا وأن تفرّج همنا وأن تشفي مرضانا وترحم موتانا وتستر عيوبنا وتؤمّن روعاتنا يا أرحم الراحمين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .