عبر تستفاد من الامتحانات

 

 

 

 

عبـر تستفاد من الامتحانات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:-

الامتحانات في المدارس والجامعات فيها عبر نستفيدها في واقع حياتنا، والتفكر فيما بعد موتنا، ومن ذلك:

1.      المراقبة: فهي تربينا على الرقابة الذاتية، وحرمة الوقوع في الحرام، ومن ذلك ما يسمى (الغش) فهو محرم لكونه نوع من أنواع الاختلاس.. والغش في البيوع هو اختلاس أموال الناس بالحرام وذلك ببيعهم سلعاً فيها من العيوب غير المرضية ما يردها الإنسان ويأنف منها، وهكذا الغش في الامتحانات فإنه جار على غير الحقيقة، بل فيه من المعايب ما يتنزه العاقل عنها.  

فالمراقبة من أهم ما يتربى عليه الطالب أيام الامتحانات، إذ أن جميع المدرسين يريدون الوصول بالطلاب إلى درجة لا يحتاج أن يكون معهم فيها رقيب أو حسيب، ويكون الدافع الذاتي حاملاً لهم على الامتناع عن اختلاس المعلومات وسرقتها..

وفي المراقبة يقول الله جل وعلا:يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) سورة غافر. وقال رسول الله   : ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن))1 وقال   لابن عباس : (( يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك..))2

يقول الشاعر:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكـن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنَّ الله يَغْفَـل ســاعةً ولا أن مـا تُخفي عليـه يغيب

وكان أحمد بن حنبل – رحمه الله – يتمثل هذه الأبيات فيدخل داره وهو يبكي، يكررها مرات..

2. الامتحانات تذكرنا بالامتحان الأكبر والبلاء الأدهى والأَمَرّ وهو: أن الله جل وعلا  خلقنا في هذه الحياة للامتحان والاختبار ليعلم الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، قال الله جل وعلا : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاوَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) سورة الملك. وقال جل وعلا: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(2-3) سورة العنكبوت.

فإذا كان الطالب يرتعد من ذلك الامتحان ونتائجه،فكيف بنتائج امتحان الله لنا في هذه الحياة، حينما تظهر للعبد نتيجته الفاشلة، فيعطي كتابه بشماله من وراء ظهره، أو تظهر نتيجة امتحانه الناجحة فيعطى كتابه بيمينه!!.. فهذا – والله- هو الأولى والأحرى بالخوف منه، والمقصود أن المسلم إذا تذكر الامتحان الأكبر الذي خلقنا لأجله هان عليه الامتحان الأصغر، ويسر الله له ما صعب عليه..

لذا نجد في آيات كثيرة أنه عندما يذكر بلاء الدنيا وعذابها وكدرها نجد الإشارة إلى عذاب الآخرة وبلائها ونكدها كما قال الله عن أهل الحديقة:كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)سورة القلم.

3. تعلمنا الاختبارات ضرورة التنافس في أعمال الخير التي تقربنا من ربنا، وتدخلنا جنته، وتبعدنا عن ناره، لأن كثيراً من الطلاب يتنافسون على المراكز الأولى والنسب العالية.. ولما ذكر الله الجنة وصفاتها الجليلة قال جل وعلا:وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) سورة المطففين.

4. اللجوء إلى الله في أيام الامتحانات من بعض الشباب، والدعاء بالفوز والنجاح يذكرنا باللجوء إلى الله في جميع الأحوال، وخاصة عند النوائب والمصائب؛ لأن الله بيده رفع البلاء ودفعه، وفي ذلك يقول الله جل وعلا: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) سورة غافر. وقال عن المضطر الذي ضاقت به السبل وانقطعت عنه الحيل: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)سورة النمل.

5. الأخذ بالأسباب مما نستفيده من الامتحانات؛ لأنَّ الطالب يبذل ما في وسعه من جهد لحفظ المعلومات وفهم الدروس، وكذا الإنسان في هذه الحياة لا بد أن يبذل وسعه في العمل بالسبب والأخذ به، ويترك الباقي على الله، وهذا معنى التوكل على الله – تعالى-.. وفي العمل بالأسباب يقول الله لمريم -عليها السلام-:وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) سورة مريم. فهي امرأة ضعيفة نفساء وحيدة، والنخلة ضخمة وكبيرة، ومع هذا يرشدها الله إلى التحريك والهز؛ جرياً على سنته في الكون: أن الأمور بأسبابها ولو كان السبب ضعيفاً، فإن الله يبارك في ذلك إذا بذل العبد قصارى جهده..

6. أن (من جدّ وجد، ومن زرع حصد) ذلك أن الطالب المثابر الجاد في تحصيله سيلقى ما يسره بعد الامتحان؛ لأنه بذل ما في وسعه من جهد وطاقة، والطالب المتكاسل المتغافل يكون مصيره بعد الامتحان الفشل والتحسر على ما فات؛ لهذا ينبغي على المسلم أن يكون سباقاً إلى الخيرات، مقداماً على الباقيات الصالحات، بعيداً عن الشر، ولهذا فقد ذكر الله في كتابه العظيم عقوبة التقصير في جنبه فقال:أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) سورة الزمر.

والمقصود أن نستفيد من الامتحانات الدنيوية ما يهمنا في امتحان الآخرة، فالذي يقول: الله غفورٌ رحيم، ثم يقترف المعاصي والكبائر ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، ويعتمد على رحمة الله، ولم يعلم أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره، لا شك أنه سيقع في الحبائل والشباك الجهنمية والعياذ بالله؛ لأنه تكاسل وتخاذل وخالف الأمر وارتكب النهي، واعتمد على الرجاء، فمثله كمثل الطالب المهمل الذي يقول: أظن أن الامتحان سيكون سهلاً، وأن المدرس سيساعدني ويسهل علينا الامتحانات، فلا داعي للمذاكرة والمثابرة! فتأتي المصيبة على رأسه فيخسر العام كله،كما يخسر الكافر والفاجر العمر كله، وشتان بين الفريقين، فتلك خسارة آنية يمكن الفوز بعدها، لكن خسارة الكافر خسارة سرمدية لا فوز بعدها، ولكن المقصود من ذلك ضرب المثال.. وبالمثال يتضح المقال..

هذا ونسأل الله التوفيق والسداد.. والله أعلم..



1– رواه الترمذي في سننه كتاب: البر والصلة عن رسول الله رقم ( 1910 ) وقال: حسن صحيح ، وأحمد في المسند برقم ( 20392 ) و ( 20435) و (20556 ) ، والدارمي في سننه كتاب الرقاق برقم ( 2671 ) من حديث أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه.

2– رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.